مع أن الحديث عن المساعي الحثيثة لإبرام "هدنة طويلة" بين حركة حماس وإسرائيل قد استمر طوال الأسابيع الأخيرة، إلاّ أن الساعات الماضية شهدت سيلاً من الأنباء المتواترة التي تتحدث عن قرب ابرام مثل هذه الهدنة، بل ان وسائل اعلام اسرائيلية، نقلت عنها وسائل الاعلام الفلسطينية اشارت، ان الأمر يتعلق بلمسات أخيرة لإخراج هذه التهدئة إلى الوجود، بعدما افلحت مساع دولية، عبرت عنها الزيارات المتدفقة للمبعوثين الأوروبيين مؤخراً إلى قطاع غزة ، اضافة إلى ما قاله مصدر مطلع من حركة حماس، من أن حركته تسلمت بالفعل افكاراً مكتوبة وانها بصدد الرد عليها، المصدر المطلع حسب المصادر الاعلامية هو القيادي في الحركة، مسؤول العلاقات الدولية اسامة حمدان، الذي اشار ايضا إلى أن هذه الافكار تتضمن مسألة فتح المعابر وانشاء ميناء في غزة، وذلك من خلال ممثل الامم المتحدة نيكولاي ملادينوف ، هذا الأخير اعلن اكثر من مرة خلال الايام الأخيرة، انه ليس على علم بمثل هذه المقترحات، لكن الإشارات المتتابعة باتت اقرب الى التأكيد، ان هذا النفي محل شك كبير.

سفر ابو مرزوق، القيادي الكبير وعضو المكتب السياسي في حركة حماس الى قطر، للاجتماع مع رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، جعلت هذه الاشارات والتقارير التي تناولت مسألة "الهدنة" اقرب الى الواقع، وبحيث لم تعد هذه الاحاديث والاشارات مجرد اشارات، حتى انها لم تعد بالونات اختبار، بقدر ما يتعلق الأمر ـ ربما ـ بتهيئة الأجواء، بحيث يصبح الاعلان عن مثل هذه الهدنة متجاوزاً لأي صدمة أو مفاجأة!
ويمكن لبعض وسائل الإعلام، في محاولة منها، لأسباب حزبية، أن تجعل من "التسهيلات الإسرائيلية، ميناء ومعابر وإنهاء الحصار، وربما مطارا، وحل مشكلة كهرباء غزة، وتسهيلات أخرى تتعلق بالتصاريح وزيارة المعتقلين، والتنقل بين الضفة وغزة وبالعكس، وتسهيلات موعودة اضافية، هذه الوسائل الاعلامية، ستصور الامر على انه إنجاز وطني كبير يعود الى "هزيمة" اسرائيل في حربها الثالثة على قطاع غزة، على شاكلة ما قيل حول الشارع الذي يقام شمال قطاع غزة على بعد خطوات من ابراج الرقابة الاسرائيلية وبحراسة من جنود الاحتلال، والأمر الذي يجعل من هذا التصوير اقرب الى التصديق والترويج، ان معظم هذه التسهيلات، كانت فصائل المقاومة قد تقدمت بها، واشترطتها اثناء مفاوضات القاهرة حول تهدئة طويلة الأمد إثر انتهاء الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة.
غير أن تسويق هذه الصورة المزيفة، قد لا يصمد كثيراً، بعد ما يتبين، ان مقابل هذه التسهيلات، التي تجد رواجاً لدى قادة اسرائيل، على المستويين، السياسي والامني، تحت مبرر، ان مثل هذه التسهيلات هي التي من شأنها إبعاد شبح المقاومة، مقابل هذه التسهيلات هناك الشروط التي وضعتها اسرائيل بشكل معلن، هدنة طويلة الأجل بالتوازي مع وقف كافة أشكال المقاومة، والتصدي لكل من يعبث بمصير التهدئة، ووقف التسلح وبناء الانفاق وتطوير الوسائل القتالية... اسرائيل من جهتها، ولوقف أي سوء فهم من قبل المعارضة لديها، ستروج هذه الإنجازات، باعتبارها الدليل الأكيد على أن المنتصر في الحرب هو الذي يفرض شروطه، وجاء الوقت كي تحصد اسرائيل مقابل انتصارها في حربها الأخيرة على قطاع غزة!!
هذه التسهيلات، ذات الأبعاد الاقتصادية الاجتماعية في الظاهر، والتي تهيئ المناخ للتعاطي مع دولة غزة باعتبارها امراً واقعياً مقبولاً، من قبل اسرائيل والمجتمع الدولي، ستعود على اسرائيل، بالمعنى الاقتصادي بأرباح كبيرة وضخمة، اذ ان عملية الاعمار على مختلف مستوياتها، وكذلك اعادة بناء البنية التحتية من ميناء وخط غاز للكهرباء، وتدفق مستلزمات هذه العملية، المدعومة بمليارات الدولارات من الدول المانحة، بما فيها الدول العربية، كل ذلك سيصب لصالح الخزينة الإسرائيلية، قد تشغل هذه العملية الأيدي العاملة في قطاع غزة، لكن سيتم تحجيم مستوى البطالة في اسرائيل، ولن تتوقف مصانعها عن العمل لتلبية احتياجات عملية اعادة اعمار قطاع غزة، فهي المورد الأساسي، والمعبر الوحيد، لكل هذه المستلزمات.
إلاّ ان اخطر ما في هذه العملية، هو البعد السياسي الاكثر وضوحاً، فدولة غزة، الأكثر انتعاشاً اقتصادياً، وبعد ان قررت مصيرها من خلال الهدنة مع الاحتلال، نجحت في ان تحول الانقسام الداخلي الفلسطيني، إلى "انفصال" واقعي، لم تعد المبادرات والمباحثات حول المصالحة، الا مجرد شعارات لا أمل لتحقيقها، بعدما بات قطاع غزة، كياناً مستقلاً عن الشطر الآخر من الوطن الافتراضي في الضفة الغربية، تلك الضفة التي يحلو لوسائل الإعلام الإشارة إليها باعتبارها "محتلة"، كشكل من أشكال الإشارة إلى أن قطاع غزة، مستقل!!
في ظل هذه الأوضاع، تنشط وسائل الإعلام الاجتماعي، للترويج لشائعات وحقائق، وبحيث باتت صفحات هذه المواقع تعجّ "بالمعلومات" اذ ان قطاع غزة سيتحول الى "ساحل فلسطين" وان إسرائيل فرضت موقع الميناء في شمال مدينة غزة، ليسهل التحكم به، وانه لن يصار الى إعادة إعمار المناطق الشرقية من القطاع، بل سيصار الى نقل الجامعات والمؤسسات الى تلك المناطق، كي لا تتحول الى ازدحام سكاني، يعيق التدخل العسكري الإسرائيلي.. كل شيء ممكن في كل هذه الفوضى المتعمدة!؟
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد