دفع بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي بعشر كتائب عسكرية، أي نحو عشرة آلاف جندي، إلى مدن وقرى ومخيمات الضفة الفلسطينية المحتلة، إضافة بالطبع لما هو موجود فيها من قواته العسكرية وعناصر شرطة الاحتلال وعناصر الاستخبارات من مستعربين وغيرهم، إضافة للمستوطنين المسلحين، وذلك لمواجهة بضع عشرات من الشباب الفلسطيني الثائر، الذي شرع أخيراً في استخدام ما تمكن من الحصول عليه من سلاح ناري فردي، بما يؤكد مجدداً بأن الإسرائيليين مسكونون بالقلق والخوف، وأنهم في مواجهة «النملة» يدفعون بالفيل.
وبغض النظر عن الأسباب، التي تضاف إلى السبب الرئيسي وهو الاحتلال نفسه، التي دفعت الشباب الفلسطيني إلى إطلاق المقاومة والتصدي بالسلاح الناري لاقتحامات الاحتلال، استمعنا إلى ما عرضه بعض قادة إسرائيل العسكريين من لوم موجّه لأجهزة الأمن الفلسطينية، وهم الذين طالما استخفوا بالسلطة وأجهزتها، كذلك بمكانتها ونفوذها في أوساط شعبها. في الوقت الذي ظهر فيه ضعف إسرائيل وعجزها الأمني عن فرض الأمن كما تريد. ومحاولة إسرائيل «الاستعانة بصديق» لمواجهة ورطتها، أي أميركا التي أرسلت لها قبل أيام باربارا ليف المسؤولة في وزارة الخارجية، لم يُجدِ نفعاً، ذلك أن إسرائيل وصلت بها الوقاحة أن تطلب مساعدة السلطة، وهي التي تعتدي على السلطة نفسها، حين تقتحم المدن والمخيمات والقرى، اي المناطق (أ) دون التنسيق معها أصلاً كما تنص اتفاقيات أوسلو.
وحسب الصحافي باراك رافيد الذي يعمل لدى موقع (والاّ) العبري، الذي أجرى حواراً وفق ما كتب، مع الأخ حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لـ (م ت ف)، ووزير الشؤون المدنية، فإن الشيخ كان غاضباً، بسبب تلك الاقتحامات بالطبع، التي لم تترك مجالاً للسلطة سوى أن توقف التنسيق الأمني ميدانياً تماماً، لكنه، أي الشيخ، عرض وقفاً للإجراءات أحادية الجانب لمدة أربعة أو خمسة أشهر، لكن الطرف الإسرائيلي رفض بالطبع، فيما أعلن عن أن ليف طالبت السلطة بالتراجع عن طلب عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، ذلك المطلب الذي من المتوقع أن يتقدم به الرئيس محمود عباس ضمن خطابه في الجمعية العامة للمنظمة الدولية خلال هذا الشهر، حيث جاء الرد برفض الرئيس استقبالها.
لكن لماذا تبدي إسرائيل كل هذا القلق من احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية مختلفة عن الانتفاضتين السابقتين، من حيث هي تشهد استخدام كل الوسائل في مواجهة الاحتلال، ولا تكتفي بشكل وحيد، كذلك تشهد تكامل الساحات، بل وتكامل المستويات الرسمية والفصائلية والشعبية، بحيث يترافق الكفاح السياسي والدبلوماسي مع المواجهات الشعبية، في الحرم، ومع التصدي المسلح لاقتحامات المدن والمخيمات؟ هل الأمر يعود لاستحقاق الانتخابات فقط، أم أن هناك أسباباً أخرى، إسرائيل مسكونة بهاجس التهديد الوجودي، نظراً لطبيعتها الاستعمارية، وكل إجراءات التطبيع لن تنزع عنها هذا الهاجس، وقد سبق لها وأقامت علاقات «طبيعية» مع مصر عمرها اكثر من أربعين سنة، لكن الشعب المصري بمثقفيه وفنانيه وشبابه وحتى رجال أعماله لم يشارك في «التطبيع الرسمي»، وهذا ما حدث مع الأردن أيضاً، وما يحدث حالياً مع المغرب والسودان، وإسرائيل التي تتوجس تجاه إيران وحتى تركيا، بعد ان أزالت من طريقها هاجس العراق وسورية، أي بعد ان انفتحت الجدران العربية أمامها، تتوجس من الجدران الإسلامية، وصولاً الى اندونيسيا وماليزيا، كل ذلك لأنها هي أصلاً ليست دولة طبيعية، لذلك ستظل رغم كل ما لديها من قوة عسكرية، تخشى مَن يتصدى لها رغم انه لا يمتلك عُشر سلاحها.
وفي مواجهة الفلسطيني الذي يحمل الحجر والمقلاع، وحتى السلاح الناري الفردي، يقف الجندي الإسرائيلي قلقاً وهو المدجج بكل أدوات القتل، وفي مواجهة إيران مع احتمال ان تمتلك القنبلة النووية بعد أعوام قادمة، تقيم إسرائيل التي تمتلك اكثر من سبعين قنبلة نووية، الدنيا ولا تقعدها.
لكن إسرائيل وقد أطلقت عملية «كاسر الأمواج» ثم عملية «جز العشب»، تحاول إضافة الى تحقيق مكاسب انتخابية، ان تكتم أنفاس الشعب الفلسطيني، حتى تهيئ الظرف المناسب لعدوان المتطرفين من جماعات الهيكل، التي ستنطلق يوم 26/27 الجاري احتفالاً برأس السنة العبرية، ثم بالاحتفال بيوم الغفران في الخامس من الشهر القادم، يتبعه أسبوع عيد العرش، ما بين العاشر والسابع عشر من الشهر القادم، وخلال هذه الأعياد ينوي المستوطنون اليهود النفخ في الأبواق وتقديم القرابين داخل المسجد الأقصى، على اعتبار انه «جبل الهيكل»، حيث إن ممارسة الطقوس اليهودية في المسجد الأقصى لا تعني سوى شيء واحد، وهو أن يهدم المسجد ليقام مكانه هيكل سليمان المزعوم! أي إعلان الحرب الدينية على المسلمين من الفلسطينيين، حينها لن تكون جبهة جنين و نابلس وحدها، ولا جبهة جنين_نابلس_ القدس ، بل كل ساحات فلسطين، وكل الأحرار من العرب والمسلمين، والعالم بأسره.
 فطالما أن إسرائيل تتعمق في الانقياد لجماعات التطرف الديني والعنصري، وكذلك لمنظمات الاستيطان الاحتلالي، فإنها تظل دولة استعمارية، وستظل قلقة، لن تظفر بالأمن، وطالما هي تحتل أرض الغير، وطالما هي تضطهد وتقمع حرية شعب آخر، وكما قال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رسول كسرى حين رآه نائماً تحت شجرة: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمت، لكن إسرائيل ستظل قلقة ومتوجسة طالما هي دولة احتلال وتمييز عنصري، مع ارتفاع منسوب التطرف الديني.
في النهاية ستنهي إسرائيل احتلالها، طال الزمان ام قصر، وسيفرض عليها إلغاء كل مظاهر التمييز العنصري، فالزمان هو زمن الدولة المدنية، دولة كل مواطنيها، ومجرد ان يبدأ الشعب الفلسطيني كفاحه رافعاً شعار المطالبة بالمساواة بين البشر على هذه الأرض، سيبدأ العالم كله بالتصدي لعنصرية إسرائيل، أي أن إسرائيل ستفقد طبيعتها الحالية. وتحرير مواطنيها من القلق وهاجس الخوف، يكون من خلال نزع كل ما ترتكبه دولتهم من جرائم، ومَن يريد أن يعيش بين العرب والمسلمين، عليه أن يحترم حقوقهم الطبيعية في الحياة الحرة الكريمة، وأن يحترم مشاعرهم الدينية وحقوقهم في العبادة بمساجدهم وكنائسهم، لا أن يظل يحتمي بالقوة العسكرية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد