نجحت مصر في التوصل إلى اتفاق تهدئة بين «الجهاد الإسلامي» في فلسطين، وإسرائيل، أوقف حرباً شنتها إسرائيل على قطاع غزة ، واستهدفت خلالها قيادات عسكرية ومواقع تابعة لـ»الجهاد»، وذلك لمدة ثلاثة أيام، وذلك أيضاً بعد أن كانت مصر فشلت كوسيط بين الطرفين في منع الحرب أصلاً، حيث بادرت إسرائيل إلى إطلاق عنان الحرب، بادئة باغتيال الشهيد تيسير الجعبري، قائد الوحدة الشمالية في «سرايا القدس »، فيما كان الحوار التفاوضي متواصلاً عبر مصر، ورغم أنه يمكن القول: إن هذه الحلقة الدموية من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، تكاد تكون تكراراً لما سبقها، إلا أنه يمكن ملاحظة جملة من الملاحظات التي تفردت بها هذه الجولة، أو أنها وسمتها على غير ما كان يجري أو يحدث فيما مضى، أي أن استمرار المواجهة بين إسرائيل وفلسطين يراكم مستجدات يمكن أن تظهر كعلامات فارقة فيما بعد.
أول هذه الملاحظات، أن إسرائيل هي التي بدأت هذه الحرب، ولم تنتظر حتى أن تطلقها بحجة الرد على صواريخ المقاومة، التي كان يمكن لها أن تنطلق بمناسبة اقتحام المتطرفين اليهود للأقصى، كما هو مخطط له، في ذكرى ما يسمى خراب الهيكل، بل إنها حتى لم تنتظر وصول حوار التهدئة، الذي كان قائماً ومستمراً، إلى طريق مسدود. وهنا ربما تكون إسرائيل قد تعمدت خديعة «الجهاد الإسلامي»، من خلال توجيه الضربة التي أودت بحياة الشهيد الجعبري، وربما تكون قد لاحظت عبر تتبعها لسير القائد الشهيد الفرصة التي لا تعوّض، بأن ظهر في منتصف مرمى الهدف، ورأت فيه الصيد الثمين الذي تعوّض به إخفاقاتها الأخيرة في مواجهة «الجهاد الإسلامي»، وما يبعث على التساؤل هو كيف خَدعت «الجهاد» بلعبة الحوار حول التهدئة، باستبعاد إقدام إسرائيل على توجيه الضربة، هو أن إسرائيل كانت خلال الأيام التي سبقت توجيه الضربة، قد أقدمت على فعل جديد، تمثل في فرض الطوق على مدن غلاف غزة، وأغلقت الطرق، ودفعت بمواطنيها للملاجئ، ما يعني أنها تستعد لحرب، وليس لمجرد فرضية استقبال صواريخ المقاومة.
وكأن المقاومة قد تعودت على أن إسرائيل تنتظر صواريخها أولاً، والتي تجيء كرد على اقتحام الأقصى، على سبيل المثال، لتطلق طائراتها وأدوات قتلها المدمرة على مدن ومخيمات قطاع غزة، وهذه كانت ثاني الملاحظات، أي أن إسرائيل ولأول مرة كانت قد لجأت إلى الاستعداد أولاً، من خلال فرض حالة الطوارئ على مدن الغلاف، كما سبق لنا وكتبنا في مقال سابق، وهذه الإجراءات الإسرائيلية كان عليها أن تنبه «الجهاد»، وكل فصائل المقاومة في غزة، إلى ما تنوي إسرائيل فعله وهي تواجه استحقاق الانتخابات العامة خلال أقل من ثلاثة أشهر، يواجه فيها ثنائي الحكم، أي رئيس الحكومة البديل يائير لابيد، ووزير الحرب بيني غانتس ، احتمال عودة مقود الحكومة إلى عدوهما اللدود بنيامين نتنياهو .
ثالث الملاحظات هي أنه رغم أن أكثر من حرب سابقة، كان يتم فيها التركيز من قبل إسرائيل على «الجهاد الإسلامي»، التي بدورها كانت من تقود حالة التفاوض حول التهدئة، إلا أنها هذه المرة كانت صريحة وواضحة، لدرجة الإعلان عن أن المستهدف هو فقط «الجهاد» بقياداتها العسكرية وكوادرها ومواقعها، وليس أحداً آخر، وبالتحديد ليست « حماس » ولا عناصر «القسام»، ويبدو أن «حماس» قد قبلت هذه الصيغة، وكل ما أعلنته خلال أيام الحرب كان التضامن مع «الجهاد»، وإدانة العملية العسكرية الإسرائيلية وتحميلها مسؤولية نتائجها، وهنا يثور سؤال لا بد منه، مفاده أن إسرائيل سبق لها أن طالبت حركة حماس «بلجم» حركة الجهاد الإسلامي في غزة، وحيث إن غزة لم تقم بأي فعل يبرر الحرب الإسرائيلية عليها، هذه المرة على الأقل، فإن السؤال هنا هو: هل يعني ذلك أن إسرائيل التي سعت للانقسام الداخلي، وحافظت على حكم «حماس» لغزة، ترى أن قوة «الجهاد» العسكرية تقوّض حكم «حماس»، أو أنها تكبلها مستقبلاً، فيما لو سنحت الفرصة للطرفين بالشروع في مفاوضات حل سياسي، يؤدي لدولة غزة، مثلاً؟ الأمر الذي قبلته «حماس» ضمناً، والرد الميداني كان شاهداً وحكماً، ففي حين أطلقت «الجهاد» نحو ألف صاروخ على المدن الإسرائيلية، وفي الوقت الذي شاركت فيه مجموعات عسكرية، منها حركة المجاهدين بإطلاق الصواريخ مع «الجهاد»، لم يخرج أي موقف أو تصريح من «القسام» يقول: إنها أطلقت صاروخاً واحداً!
طبعاً ما كان يمكن لـ»حماس» أن ترفض الرد من قبل «الجهاد»، حيث إن التفاهم بين الحركتين والواضح لكل متابع، هو أن تمارس المقاومة كفاحها في الضفة الغربية، وتجنب قطاع غزة ويلات الحروب المتلاحقة، خاصة أن إسرائيل ومنذ أشهر قليلة، بدأت بإغراء «حماس» ب فتح المعابر أمام العمال الفلسطينيين من غزة إلى معبر بيت حانون «إيريز»، وهو ما كان طوال الفترة الماضية، حيث ظهرت «الجهاد» كمتصدر لمشهد المقاومة في جنين وداخل الخط الأخضر، لكن حيث إن إسرائيل هي من بادرت إلى اغتيال القائدين في «الجهاد»، تيسير الجعبري ومن ثم خالد منصور، فإنه ما كان يمكن لـ»حماس» أن تمنع «الجهاد» من الرد بالصواريخ من غزة.
من ضمن الملاحظات التي رافقت ثلاثة أيام من الحرب، ردود الفعل، حيث لوحظ صمت واشنطن التي لم تبدِ أي اهتمام بما جرى، على عكس ما فعلت في أيار من العام الماضي، وهذا يؤكد انسحاب أميركا، على الأقل، من تفاصيل الشؤون الداخلية في الشرق الأوسط، لأن كل ما يهمها حالياً هو مواجهة التحدي الذي تمثله كل من الصين وروسيا اللتين تسعيان إلى إقامة نظام عالمي جديد غير القائم حالياً، والذي تجلس على عرشه الولايات المتحدة، كذلك لوحظ صمت معظم العواصم العربية، وإلى جانب ما أعلنته كل من البحرين والإمارات من توجيه مواطنيها في إسرائيل بالحذر، فإن ردود الشارع العربي أيضاً كانت باهتة، لأن غزة هذه المرة ليست «حماس»، لذا لم يتجند الإخوان المسلمون في المحيط العربي لإطلاق التظاهرات، وربما كان قصر مدة الحرب، والتي كانت أقرب لعملية عسكرية هو السبب في ذلك.
المهم أن مصر نجحت في التوصل مع الطرفين لاتفاق وقف إطلاق النار، وقد وافقت إسرائيل أولاً بعد أن تقدم المستوى الأمني بتقديره أن الحرب حققت أهدافها، وهذا ما قاله لابيد نفسه الذي يبدو أن الحرب كانت بالنسبة له مجرد دعاية انتخابية، أما «الجهاد الإسلامي» فقد رضي بوقفها بعد أن أثبت شعارها وهو «وحدة الساحات»، أي وحدة غزة والضفة وليس وحدة المجموعات العسكرية في غزة، وبعد أن أثبت أنه لا ينازع «فتح» سلطتها في الضفة ولا «حماس» سلطتها في غزة، بضمانة مصرية بإطلاق سراح أسيريه اللذين سببا التوتر الأخير، وهما خليل العواودة وبسام السعدي.
فيما بقي حال التوتر قائماً، بعد أن سمح لابيد للمتطرفين باقتحام الأقصى، منذ مساء السبت الماضي، أي خلال الحرب، في ذكرى خراب الهيكل، خرجت «الجهاد» رغم مصابها باستشهاد اثنين من أبرز قادتها العسكريين في غزة، وهي تولي الاهتمام الأكبر وعن وجه حق لرجالها في الضفة، الذين مع «كتائب الأقصى» باتوا يظهرون علناً بسلاحهم في جنين و نابلس ، في تحد عظيم لجيش الاحتلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد