أيّام عصيبة تمرّ بها إسرائيل خلال هذه الفترة، بسبب استمرار سياساتها التوسعية والعدوانية. قبل فترةٍ ليست طويلة كانت مصادر عسكرية وأمنية إسرائيلية عليا تتبجّح بأن إسرائيل قادرة ومستعدّة لخوض حروبٍ على ست جبهات معادية في الوقت ذاته. اليوم ترتجف فرائصها في مواجهة تهديدات حقيقية، لا يبدو أن لها قِبلاً على مواجهتها من دون أن تدفع أثماناً باهظة.
في ضوء تقلّص الوقت أمام المسعى الأميركي، للتوصل مع إيران، إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، لم تعد إسرائيل تتحدث عن حربٍ على إيران، لا ترغبها الولايات المتحدة، وتتجنّبها دول الخليج، وفي ظل غموضٍ في السياسة الأوروبية بعد كل ما أصاب الاتحاد الأوروبي من آثار سلبية بسبب الحرب في أوكرانيا.
إسرائيل تتحدث عن ضربةٍ فقط تستهدف القدرات النووية الإيرانية، لكنها تخشى من تداعياتها، وتخشى من غياب الغطاء الدولي والدعم الأميركي المباشر.
في مقامٍ آخر، لا تخفي إسرائيل ذعرها من إمكانية اندلاع مواجهة واسعة، مع «حزب الله» على خلفية محاولاتها سرقة ثروات لبنان من النفط والغاز شرق المتوسط.
تهديدات «حزب الله» واضحة، وتحظى بمصداقية لدى الشارع الإسرائيلي، ولذلك فإن حكومة لابيد، تستنجد بالوسيط الأميركي، وتقدم ما تعتبره حلّاً وسطاً يمكن أن يؤمّن مصالح الطرفين: لبنان وإسرائيل.
الوقت بدأ ينفد أمام احتمال التوصل إلى اتفاق ويبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة تلعبان على خطّ التناقض بين «حزب الله» والحكومة والدولة اللبنانية. لكن «حزب الله» وإن كان لا علاقة له مباشرة بوفد التفاوض اللبناني، إلّا أن القرار الأخير للبنان لا يستطيع تجنّب موقف وتحفظّات «حزب الله»، الذي يرفض أي تنازلات أو صيغة اتفاق تتضمّن شراكة مع إسرائيل تعني خطوة كبيرة نحو تطبيع العلاقات.
الوضع اللبناني بالعموم، لا يوفّر أي دافع أو ذريعة للتنازل عن حقوق لبنان في ثرواته، فالدولة شبه منهارة، والبنى التحتية فيه من كهرباء وماء عند حدود الصفر، والديون على الدولة متراكمة فيما الجوع يضرب في كل اتجاه.
إذاً لبنان ظهره إلى الحائط، وليس أمامه فرص للخروج من هذه الأزمات، ومن الضغوط الخارجية الهائلة، سوى باستثمار ثرواته الطبيعية. هذا يعني أن إسرائيل لن تجد أهدافاً مؤثرة إن هي قررت شنّ حربٍ على لبنان، فهي ستدمّر المدمّر، وتحرق المحروق، بينما ستتلقى جحيماً من الصواريخ الدقيقة، وخسائر لا قبل لها على تحملها في الجبهة الداخلية.
الذعر الإسرائيلي الرسمي، يتبدى بوضوح، أيضاً، في كيفية التعاطي مع الفلسطينيين. يعتقد لابيد أن بإمكان حكومته أن تواصل سياساتها العدوانية على الفلسطينيين من دون أن تدفع الثمن.
حكومة مؤقتة وضعيفة، تسعى تكويناتها الحزبية، لتحسين فرصها الانتخابية في تشرين الثاني القادم، من خلال مواصلة السياسات ذاتها التي اتبعتها الحكومات السابقة.
الاستيطان على أشدّه، ومصادرة الأراضي، وهدم بيوت الفلسطينيين، واقتحامات يومية للمسجد الأقصى، واعتقالات بالجملة، واقتحامات للمدن والقرى الفلسطينية، ورفض مستمر ل فتح المسار السياسي.
جنين و نابلس ، أصبحتا، وجهة يومية للقوات الإسرائيلية، وهدفاً ثابتاً لمواجهة المقاومين الفلسطينيين الذين تزداد وتتّسع دائرة اشتباكاتهم مع الجيش والمستوطنين.
في العموم تتصاعد الحملات الاستعمارية والعدوانية الإسرائيلية، وتتصاعد في مقابل ذلك المقاومة الفلسطينية بما في ذلك المسلّحة.
تراهن إسرائيل على إنهاء الوجود المسلّح للفلسطينيين في جنين ونابلس، من خلال حملاتٍ خاطفة ومن دون أن تدخل في مواجهة شاملة، لكن ذلك لا ينجح سوى في انضمام المزيد من الشباب إلى المقاومة.
من الواضح أن حكومة لابيد لا ترغب أبداً في شنّ عدوانٍ واسعٍ ومركّز على جنين ونابلس، ولا هي ترغب في أن تدخل في مواجهة تنخرط فيها المقاومة في قطاع غزة ، والتي لا تتوقف عن إطلاق التهديدات.
على أن الرهان الإسرائيلي، على أن تشكل التسهيلات التي تقدمها للفلسطينيين في الضفة وغزة، كابحاً للمقاومة، هذا الرهان قد خسر، وثبت للإسرائيليين أن الفلسطينيين لا يمكن أن يتسامحوا مع السياسات العدوانية الإسرائيلية المستمرة.
ليس بإمكان إسرائيل أن تواصل سياساتها التوسعية والعدوانية، ومخططاتها التهويدية وإنكار الحقوق الفلسطينية مقابل تسهيلات تقع تحت سقف «السلام الاقتصادي».
حين قامت إسرائيل بحملتها الأخيرة على جنين، واعتقلت القائد في حركة «الجهاد الإسلامي» بسام السعدي، أعلنت «الجهاد» الاستنفار الشامل، الأمر الذي أصاب القيادات الإسرائيلية بالذعر، رغم أن «الجهاد» لم تطلق أي صاروخ.
وبالرغم من تحرك الوسيط المصري، لضمان استمرار التهدئة، فقد أعلنت إسرائيل الاستنفار الشامل في غلاف قطاع غزة، وفرضت حصاراً مشدداً على حركة المستوطنين، وأغلقت العديد من الطرق الرئيسية، فضلاً عن إغلاق معبري كرم أبو سالم وبيت حانون.
وعسكرياً نشرت إسرائيل «القبة الحديدية»، واستدعت مئات الجنود من الاحتياط ومن منتسبي الخدمة الدائمة.
عضو الكنيست عن «الليكود» اوسنات مارك يتساءل عمّا يحدث في النقب، «فرئيس الحكومة يركع أمام تهديد منظمة صغيرة، وأصيبت إسرائيل بحالة شللٍ من دون إطلاق صاروخٍ واحد».
للمرّة الأولى تنجح المقاومة في فرض الحصار على مستوطنات غلاف غزة، بما يشبه الحصار الذي يتعرض له قطاع غزة منذ سنوات، واحدة بواحدة، هكذا يقول وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس ، «فإذا لم يكن ممكناً العودة إلى روتين الحياة الطبيعية في غلاف غزة، فلن تكون هناك حياة طبيعية في داخل غزة، أيضاً»، وكأنّ غزة أصلاً تعرف طعم الحياة الطبيعية.
على كلّ حال حتى وإن لم تنفجر الأوضاع في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذه الأيام، فإن المسألة فقط مسألة وقت، طالما استمرّت إسرائيل في سياساتها المعروفة والمرفوضة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد