انقشع غبار معركة الانتخابات في جامعة بيرزيت ما يسمح برؤية أكثر وضوحاً وحديث أكثر هدوءًا، وبعيداً عن الآراء الانفعالية التي صدرت لحظة إعلان النتائج والتي انقسمت كعادتها بين تيارين الأول يحاول أن يسحب النتيجة باعتبارها الأكثر تمثيلاً للوطن، والثاني يحاول التقليل من وطأة النتائج محاولاً البحث عن مبررات.
وبات هذا يتكرر مع كل نزال بين حركتي فتح و حماس وحسب النتائج تخرج التحليلات التي غالباً ما تسعى لتجهيز خطابها بما يتلاءم مع مصالحها ومع أرقام الصندوق تهويلاً أو تقليلاً.
لا شك في أن انتخابات جامعة بيرزيت اعتبرت الأهم في كل الانتخابات الطلابية منذ عقود لما تتميز به هذه الجامعة من فرادة خاصة، هذا حتى قبل أن يبدأ الصراع بين الحركتين الأكبر على الساحة الفلسطينية ومزاحمة كل للأخرى على الفضاء العام في فلسطين.
وما يفسر هذا القدر من الصخب هو أن كل الانتخابات تتم في لحظة شديدة التوتر والانقسام وانعدام الإنجاز الوطني ما يجعل من فوز داخلي كأنه جزء من حالة تعويضية عن غياب إجابات لأسئلة كبرى تفضل الفصائل نسيانها.
الانتخابات عملية ديمقراطية ومطلب كل الفلسطينيين، لكنّ هناك لحظة ساخرة تستدعي التأمل من هذا القدر من الاحتفاء بالانتخابات وسط كومة الخراب القائمة تنسحب على حركتي فتح وحماس اللتين تحتفلان بالانتخابات لا كعملية اجتماعية سياسية بل كنتيجة فقط ويتم الاحتفال وفقاً للنتيجة.
فقد جرت انتخابات نقابة المحامين قبل أسبوع، وكانت فتح تحتفل بالنتائج كأنها تشكل مقياساً للرأي العام وسط صمت لحركة حماس وهي تحاول إيجاد مبررات لتقزيم فوز فتح وبعدها مباشرة جاءت انتخابات بيرزيت لتنعكس المواقع باحتفالات حماس باعتبار النتيجة تشكل المقياس فيما انشغلت حركة فتح بإيجاد مبررات الخسارة وهكذا.
ليس مهماً هنا الغوص في بعض التفاصيل التي تضعف خطاب القوى وتحديداً فيما يتعلق بقطاع غزة . فالنقاش المصاحب لنتائج نقابة المحامين جرى ربطه فوراً بنتائج نقابة المهندسين وفي هذا ما يستدعي الإشارة لتخصصات الجامعات في القطاع فقد وزعت وزارة التعليم العالي منذ تشكيل السلطة على جامعتي الأزهر «الفتحاوية» والإسلامية «الحمساوية» التخصصات بحيث لا تتقاطع، فمثلاً تخصص الطب أعطي للأزهر وتخصص الهندسة تم إعطاؤه للجامعة الإسلامية وكذلك القانون للأزهر والشريعة للإسلامية وهكذا.
ولأن الناس تذهب للجامعات ذات التوجه القريب في مناخاتها السياسية التنظيمية والاجتماعية من الطبيعي أن نعرف أن انتخابات نقابة أطباء الأسنان ستفوز بها حركة فتح وأن نقابة المهندسين ستكون من نصيب حماس وكذلك المحامين، ولا غرابة دون أن يعني الأمر كثيراً في تحليل مزاج الرأي العام فالمسائل أحياناً أبسط كثيراً من مبالغات الفصائل.
لكنّ للمسألة بعداً آخر وسط فرح الفصائل وحزنها، فوزها وخسارتها، احتفالاتها وصمتها ففي لحظة الفوز الذي تتمناه الفصائل وتحاول هندسة الانتخابات مسبقاً وفقاً له بقدر المستطاع تنسى أنها سبب لتعطيل الانتخابات وسبب لمنع الناس من ممارستها ما يشي بقدر من الفهلوة تمارسه تلك الفصائل في خطابها، وهو ما ينزع الثقة أكثر ليس فقط لتناقض الخطاب مع الواقع وحديثها عن الصندوق والديمقراطية وواقع حكمها الاستبدادي بل لهذا القدر من الاستخفاف بالعقل الجمعي افتراضاً أنه بهذا الغباء ليبتلع هذا التناقض.
«حماس» التي احتفلت بنتائج جامعة بيرزيت تمنع إجراء انتخابات في جامعات قطاع غزة وبقرار من وزارة الداخلية ...! وتمنع إجراء أي انتخابات للبلديات في القطاع وتستعيض عنها باجتماع لبعض الأعوان تختار من بينها رئيساً للبلدية لكنها تتناسى ذلك لحظة النشوة في بيرزيت، أما حركة فتح التي تحتفل بنتائج انتخابات المحامين أو جامعة بيت لحم فهي من عطل الانتخابات العامة للمجلس التشريعي وهكذا يبدو الأمر بالنسبة للفصائل. وما بين الممارسة والخطاب هوة كبيرة تشي بمفهوم الفصائل لإدارة البلاد والعباد.
اللافت أيضاً أن كل فصيل يخسر في المنطقة التي يحكمها طبعاً إلى حد ما، وفي كل منطقة يجري اختيار الآخر غير الحاكم ما يعكس ما هو أكبر من فوز وخسارة بل يطرح أسئلة على الفشل في الإدارة وفشل النموذج المقدم بعد التجربة.
فقد جرت الانتخابات في بلديات الضفة الغربية وخسرت حركة فتح الجزء الأكبر منها «الخليل كانت نموذجاً صارخا».
وبالمقابل ماذا لو جرت الانتخابات البلدية في قطاع غزة ؟ أو جامعة القدس المفتوحة مثلا ؟ وهذا ما تدركه حركة حماس التي تمنع الانتخابات في تلك القطاعات بصرف النظر عن المبررات التي تساق، فماذا يعني ذلك في علاقة المواطن بنظام الحكم عندما يصوت بردة الفعل تلك وهذا ما يجب أن تقرأه الفصائل التي تحتفل بالجزئيات وتتحارب بالكليات، تمنع بالجملة وتسمح بالمفرق وفقاً لمصالحها.
وفي هذا ما يذهب أبعد من نشوة اللحظة أو إحباطها حول العقل الفلسطيني وعلاقته بالصندوق والمواطن، وكيف تساق التبريرات لتتلاءم مع الموقف والمصلحة وتعطي الأحكام بعد النتيجة وقد يصدر حكمان لموقف واحد ما يسقط أي مصداقية.
فالحزب حين يفوز يوجه شكره للشعب ويتغزل بوعي الشعب وبوصلته وذكاء المواطن وعندما ينتخب الخصم يتهم بالجهل مرة، ومرة قيل إن هذا شعب فاسد ويريد الفاسدين.
هكذا ببساطة الصندوق ونتيجته تحدد وعي الشعب أم جهله وفقاً لمصالح القوى السياسية تصدر أحكامها ولا تنتبه لتناقض الخطاب.
هل درجة الوعي لدى النخبة السياسة الفلسطينية وصلت للاحتكام للصندوق كآلية وحيدة للعمل السياسي والخدماتي؟ هل أن تلك الفصائل التي تحتفل هنا أو هناك لديها قناعة بتداول السلطة خلاله ؟ أغلب الظن لا لأن التعطيل الحاصل بفعل الفصائل والتجربة الطويلة تجيب بتشاؤم شديد لأن الفصائل تحتفي بما يخصها من إنجازات للحزب السياسي لا بالعملية التي تخص الشعب والتي تمنعها نفس القوى.
وتلك أزمة الفلسطيني لأن القوى القائمة تتعاطى مع الصندوق أنه أداة توصيلها للسلطة لا أداة في سياق عملية سياسية، وبين هذه وتلك ما يطرح أزمة ثقافية لا تقل خطورة عن أزمة سياسية، وبعدها من يجيء مستغرباً عن حالة الخراب واستمرارها ....!!!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد