قبل أن يقفل شهر رمضان دورته ويعود ليقف في آخر طابور أشهر السنة الهجرية، على أمل أن يأتي مجددا بحلة أفضل العام القادم، أحيا الفلسطينيون، ليلة أول من أمس، ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر في رحاب المسجد الأقصى، بما لا يحدث في العالم الإسلامي، إلا في حالات نادرة، تشبه إلى حد كبير الحج إلى بيت الله الحرام، وذلك حين تداعى للحرم القدس ي الشريف نحو ربع مليون مصل، يمثلون نحو 10% من سكان الضفة الغربية والقدس، بما يشبه الاستفتاء على مكانة العاصمة السياسية والروحية للشعب الفلسطيني، وبما يشبه أيضا الاحتفاء بالنصر الذي حققه المرابطون والكل الوطني الفلسطيني، بعد مواجهة عض الأصابع، أو بعد أسبوع شد حبل التوتر مع المتطرفين اليهود المحميين بشرطة وجيش الاحتلال، والذي نجم عن الاقتحامات اليومية ومحاولة تقديم القرابين في باحات الحرم، بمناسبة عيد الفصح اليهودي.
وبقدر ما كان المشهد إيمانيا مهيبا، بقدر ما كان بالغ الروعة، لكن حدوثه لم يكن سهلا بالطبع، ذلك أنه جاء بعد أيام عصيبة، كما أسلفنا، كذلك لم يكن سهلا، لأن جيش وشرطة الاحتلال، لم يفتحا الأبواب على مصاريعها أمام حشود المصلين، فالحواجز كانت منتشرة أمام وصول تلك الآلاف المؤلفة، من كل مدن وقرى الضفة الغربية ومناطق 48 صوب العاصمة، وقد بدأ التوافد منذ ما قبل عصر الأربعاء، من كل الجهات الأربع المحيطة بالمدينة المقدسة، حيث افترشت العائلات ساحات البلدة القديمة وتناولت طعام الإفطار، ورغم أن الاحتلال لم يكن يسمح لمن هم في عمر الشباب، أي أقل من 50 سنة بالمرور، إلا أن بعض الشباب حاول المرور أكثر من مرة عبر الحواجز، وبعد أن تم إرجاعه، احتال على الاحتلال بالسير عبر طرق التفافية طويلة، حتى تمكن من الوصول للحرم.
من الواضح، أن ردود الفعل على القمع الاحتلالي خلال أسبوع الفصح، وقيادة المعركة السياسية من قبل الجانب الفلسطيني بشكل ثابت ومثابر قد أتت أكلها، من حيث إن إسرائيل، بعد أن هدأ غليان التطرف الميداني، أدارت عملية وصول المصلين إلى الحرم، بشكل معقول، فيما كانت الترتيبات الميدانية الفلسطينية قد سهلت الأمر، ذلك أن عامل الاحتكاك المتمثل بالمتطرفين اليهود لم يكن موجودا، وهذا يؤكد حقيقة الأمر، بكذب إسرائيل الرسمية التي حاولت الأسبوع الماضي أن تنسب التوتر الذي جرى للشبان أو للمرابطين الفلسطينيين، وليس لجماعات الهيكل.
وقد قامت دائرة الأوقاف والفرق الطبية وفرق النظام والمتطوعون بتوفير كل ما يلزم لراحة الصائمين الوافدين إلى الأقصى، وانتشرت تلك الفرق في المسجد وساحاته وسهلت دخول وخروج المصلين من والى المسجد، وكذلك تنقلهم داخله، ونظمت صفوف المصلين الرجال والنساء، بما يعني أنه يمكن إدارة المسجد والصلاة فيه بشكل ذاتي، لو أن الاحتلال يرفع يده عنه، ويكف عن محاولة تهويده، بادعاء وجود الهيكل تحت بنائه. وبعد أن تناوب أئمة المسجد بأداء صلاة العشاء والتراويح، اختتم إمام وخطيب المسجد صلاة الوتر بالدعوة إلى الله أن يحمي المسجد من كيد الظالمين ويحرر الأسرى، في إشارة واضحة إلى ما جرى خلال الأسبوع الماضي.
هكذا يمكن القول إن شهر رمضان، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الرحيل، بانتظار صلاة عيد الفطر في المسجد، التي ستكون مشابهة إلى حد ما لما حدث ليلة القدر، قد مر على خير، بعد أن تجنب الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي وقوع حرب دامية بينهما كما حدث أيام العيد العام الماضي، حين تعرضت غزة بعد المواجهة في القدس لحرب إسرائيلية دامية، تم خلالها تدمير عشرات الأبراج وقتل مئات المواطنين الأبرياء، لكن احتمال وقوع الحرب لم ينته تماما بعد، فهناك احتمال أخير بأن تقع، ولكن خلال أيام العيد، ارتباطا بما ستفعله إسرائيل بعد أيام من عيد الفطر، أو حتى خلال إجازته التي تقع في النصف الثاني من الأسبوع القادم.
وعلى من يراقب الحالة على الجانبين أن لا ينسى بأن حكومة نفتالي بينيت، باتت متوترة سياسيا أكثر من أي وقت مضى، بسبب فقدانها لأغلبيتها الضيقة، وبسبب أن شبح الانتخابات يحلق فوق رأسها، لذا فإن قادتها يفكرون في اليوم التالي لسقوط الحكومة، أي بشعاراتهم الانتخابية، حيث عادة ما ينعقد فورا مزاد التطرف، وقادة أحزاب اليمين في هذه الحكومة معنيون بالقول إنهم قد اثبتوا أنهم متطرفون أكثر من خصومهم حين تعلق الأمر بمواجهة الجانب الفلسطيني، إن كان فيما يخص ملف الاستيطان والتهويد في القدس والضفة، أو فيما يخص ملف المواجهة العسكرية مع غزة، فهم إزاء إطلاق صاروخ وحيد قاموا برد غير متناسب، حسب وصف عميت ساعر رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، حين قامت إسرائيل بالرد على صاروخ الجهاد الإسلامي تجاه سديروت بضرب هدف لا تستهدفه إسرائيل عادة حسب قوله، وكان عبارة عن مجمع تحت الأرض يقوم بصنع مقذوفات حماس .
ما زال هناك يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان - اليوم، وهناك ذكرى النكبة أو ما تسميه إسرائيل باستقلالها، حيث ترتب دولة الاحتلال لتحليق طائراتها فوق الحرم الإبراهيمي ومستوطنة كريات أربع، فيما يمكن أن تقع مواجهة دامية في حال سقط شهداء أو قتلى إسرائيليون.
لكن كل هذا يمكن وصفه بأنه حديث عن أعواد الثقاب التي يمكن أن تشعل فتيل الحرب، لكن برميل البارود يزداد احتقانا كل يوم، بالنظر لانسداد الأفق أمام العملية السياسية، وأمام الحلم الفلسطيني بإنهاء الاحتلال الجاثم فوق صدر دولة فلسطين، منذ سبعة وخمسين عاما، لم تضع لها اتفاقات أوسلو ولا المفاوضات التي أعقبتها من أجل ذلك حدا، فيما ما زالت الوعود الأميركية التي قدمت للجانب الفلسطيني لم يتحقق منها شيء، لا الخاصة ب فتح القنصلية في القدس الشرقية، ولا التي تخص مكاتب «م ت ف» في واشنطن، فضلا عن إطلاق العملية السياسية نفسها، وإذا كانت إسرائيل ما زالت تعول على الانقسام الفلسطيني الداخلي، كذلك على متابعة طريق التطبيع مع العرب، فإنها بوهمها تواصل حقن العلاقة بأسباب التوتر الذي سينفجر يوما ما دون شك، فالفلسطينيون اثبتوا وحدتهم ميدانيا، ضد الاحتلال، والتطبيع لا يتجاوز بعده الأمني والرسمي مع بعض الخليج، لذا يبقى احتمال الحرب مع إسرائيل والتي لا تقتصر على الفلسطينيين فقط، قائما، طالما إسرائيل نفسها ما زالت دولة غير طبيعية، باحتلالها وبعنصريتها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية