مازال النقاش المحلي حول ما حدث في كونغرس الفيفا من قيام رئيس الإتحاد الفلسطيني بسحب طلب فلسطين القاضي بطرد إسرائيل يتفاعل أكثر خاصة لدي المواطنين الذين وجدوا في محاولة طرد إسرائيل هدفاً يشفي غليلهم ولو قليلاً، خاصة في ظل ما تقوم به إسرائيل من ممارسات غير أخلاقية ولا إنسانية ليس بحق المواطنين الفلسطينيين بشكل عام بل أيضاً تمارس التمييز العنصري ضد اللاعبين الفلسطينيين حيث لا يتمتع اللاعب الفلسطيني بأي حق خاصة حقه في التنقل والسفر للمشاركة في المباريات الدولية، وبالتالي حرمان فلسطين من فرص الفوز وتحقيق الانجازات. وإلى جانب مئات آلاف الأسباب فإن هذا السبب وحده يكفي كي يتم طرد إسرائيل من الفيفا التي تنتهك هي قوانينها خاصة بمشاركة فرق إسرائيلية من المستوطنات في الدوري وفي المباريات التي تشرف عليها الفيفا. كل ذلك جعل الالتفاف الشعبي حول الطلب الفلسطيني قضية رأي عام حيث حظي الطلب والمتوقع منه بإجماع شعبي كبير ساهم في تكوين رأي عام غاضب على النتائج التي ترتبت على سحب الطلب.
بالطبع يمكن سوق مليون عذر ومليار سبب تفسر لماذا كان يجب سحب الطلب تبدأ من موازين القوى داخل كونغرس الفيفا وتمر بطبيعة وتعقيدات قوانين الفيفا والحاجة للمساومة على صيغة القرار في النهاية من أجل جلب الدعم له، وتنتهي بأن ما تم التوصل له من تفاهمات بضمانات الفيفا والخاصة بالمطالب الفلسطينية الخمسة تشكل إنجازاً لا يقل عن الإنجاز الذي سيترتب على طرد إسرائيل. ثمة معضلتان في إدارة المعركة تمس الاولى طبيعة النقاش حول النتائج غير المرضية فيما تمس الثانية الفهم الذي يقف خلفها.
أما بالنسبة للأولى فإن حجم الخيبات يكون عادة من حجم التوقعات. بمعني أننا حين فتحنا النقاش حول عضوية إسرائيل رفعنا السقف إلى آخر مدى، وبات واضحاً ان الأمر بالنسبة لنا "يا قاتل يا مقتول" كما يقول المثل الشعبي، وبات أكثر وضوحاً بان لا هدف آخر للطلب الفلسطيني إلا طرد إسرائيل شر طردة، وأن المساومة في هذا المجال مرفوضة. حتى ان الباب لم يترك موارباً ولو قليلاً. لم يقل أحد للمواطن أننا إزاء مفاوضات شاقة تقود إما إلى تحقيق مطالبنا الخمسة (وتوضيحها) أو نطرد إسرائيل من الفيفا. كان الامر بالنسبة للمواطن معركة وجود أخرى. تأسيساً على السابق فأن نخرج ونقول للمواطن في الدقيقة صفر قبل إطلاق صافرات الاحتفال إننا تراجعنا لأن ثمة إنجازات يمكن تحقيقها من وراء التراجع، فنحن نفعل مثل راعي القرية والذئب، فهو لن يصدقنا بعد ذلك. كان يمكن أن لا نذهب بعيداً في هذا النقاش ونديره بهدوء وفق الاجراءات الإدارية المعتادة في الفيفا، ودون زوابع من باب "حسن قول نعم بعد لا/بئس قول لا بعد نعم".
القضية الثانية هي أن الحكمة الأساسية خلف الاشتباك مع إسرائيل في المؤسسات الدولية غابت عن كل النقاش الذي حاول أن يبرر التراجع الفلسطيني. فالقصة ليست تحسين شروط السجين بل هدم السجن. بمعني أن المواطن الفلسطيني لا يهمه كثيراً إذا ما تمكن لاعبو المنتخب من السفر أم لا ولا يهمه كثيراً تحسين الملاعب (انا يهمني على أي حال) ، ولكن بشكل عام القصة ليست تحسين الشروط، وليست معركة الفيفا بمنفصلة عن مجمل المعركة الفلسطينية ضد إسرائيل، بل هي خيط في نسيج كبير. جوهر هذا النسيج هو أن القصد الفعلي يجب أن يكون طرد إسرائيل من الفيفا كما يجب طردها من الاولمبيات ومن كل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة لأنه لا يجوز أن تكون إسرائيل دولة وفلسطين ليست دولة. هذا هو بيت القصيد. وبالتالي فإن فتح باب التسويات يعني مناقشة ظروف السجن مع السجان فيما يجب مواصلة الضغط حتى ترى إسرائيل نفسها خارج المجتمع الدولي وبالتالي ترغم أن تقول للفلسطينيين :خذوا دولتكم حتى أنعم بعضويتي في المجتمع الدولي، او تجد نفسها في مواجهة العالم.
لا يمكن للمرء أن يجزم في إذا ما كانت إسرائيل ستطرد من الفيفا لو لم يتم سحب الطلب الفلسطيني، لكن من المؤكد ان إسرائيل باتت في ورطة في كل المؤسسات والجمعيات الدولية إذ أن بإمكان الفلسطينيين في أي لحظة ان يقوموا بتهديد عضويتها وطردها إذا ما نجحوا في الحصول على تعداد الأصوات اللازمة لذلك. وربما لمفارقة القدر فإن الدولة الوحيدة في التاريخ التي لم تنشا وفق تطور طبيعي لنمو المجتمع المحلي وتفاعله مع القوى الداخلية والخارجية، بل نشأت وفق قرار من الامم المتحدة، وحدها من بين كل الدول الأعضاء تجد ان عضويتها في مؤسسات الأمم المتحدة والإتحادات الأممية على المحك، إذ ان الدول التي رفعت يدها زوراً وبهتاناً حتى تمنح من لا يملك ما لا يملك وتنزع عن من يملك ما يملك، هي نفسها ترفع البطاقات الحمراء في وجه إسرائيل في كل محفل. وعليه فإن حقيقة الاشتباك مع إسرائيل في المؤسسات الدولية هي بحد ذاتها إنجاز لا يمكن إنكاره سواء حققنا الكثير من الانجازات أم لم نحقق، لأن ثمة حقيقة يجب أن لا تغيب في خضم كل النقاش السياسي تقول إن شعباً حقوقه مضيعة ومصادرة يجب أن تظل طبيعة علاقته مع الاحتلال هي الاشتباك ولو من باب أضعف الإيمان. وإذا كان الأمر كذلك فإن ثمة نصف مليء على الطاولة. دون أن يعفينا هذا من ضرورة حسن إدارة الصراع في تلك المؤسسات ومعرفة إلى أي حد نريد أن نذهب وماذا نستطيع أن نحقق، والتوضيح إذا ما كنا بحاجة لترك الباب موارباً لأي تسويات قد نحقق من خلالها بعض الإنجازات. فالقفز غير الآمن لا يكسر الجسد فقط بل يكسر الروح.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية