خديجة البكري: من ثلاجة الموتى إلى غسالة الحياة

خديجة البكري

آيه قروط - بين أنابيب و"فلاتر" غسيل الدم، وبين عجلة الحياة داخل جهاز الكلى الصناعية، الذي يتوسط غرفة المرضى في قسم الكلية الصناعية في مجمع الشفاء الطبي، تجلس خديجة البكري 45 عاماً من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة على سرير رمادي اللون موصولة بالجهاز عن طريق ابرتين مغروستين في يدها اليسرى، تحتضن تلك الأنابيب بكفة يدها خوفاً من أن تفلت منها الحياة مرة أخرى.

هناك تسترجع البكري ما مرت به من أحداث خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014م قائلة " في يوم من أيام العدوان كانت الساعة تشير الى العاشرة وعشر دقائق صباحاً حين كنت منشغلة في اعداد الطعام لأسرتي باطمئنان تام بسبب سريان هدنة مؤقتة بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الا ان طائرات الاحتلال اطلقت صاروخا على منزلنا قبل أن تنتهي مهلة التهدئة المحددة.

الصاروخ الذي سقط على منزل عائلة البكري المكون من أربعة طوابق، احاله إلى كومة من الركام، مخلفا خمسة شهداء وعدد من الجرحى وليبدأ فصلاً جديدًا من معاناة خديجة.

وبصوت حزين قالت "فقدت الوعي وفيما بعد أخبرني الاهل أن سيارات الإسعاف نقلتني إلى المستشفى، وهناك وضعني الأطباء في ثلاجة الموتى حوالي ربع ساعة معتقدين انني استشهدت، إلا أن أحد الأطباء اكتشف أنني مازلت على قيد الحياة فأجرى لي الإسعافات الأولية شملت إنعاشا للقلب.

وزادت: استيقظت من تلك الصدمة على صوت الأطباء يقولون: "هادي خديجة عايشة عايشة" لم اصدق ما سمعته، واذكر اني تمتمت متسائلة " كنت ميتة وعشت؟" .

عادت خديجة إلى الحياة لكنها كانت نصف حياة بعد أن ترك الركام ضررًا كبيرًا على كليتيها، لتبدأ معاناتها الحقيقية مع الحياة.

وبعد أن وضعت يدها على كليتها ابتسمت بحسرة قائلة:" كنت أعاني من ألم في منطقة الكلى لكنني لم أكن أبالي، إلى أن اشتد الألم ذات يوم، وتم نقلي إلى مجمع الشفاء الطبي، وبعد اجراء الفحوصات اللازمة، تبين أنني مصابة بفشل كلوي تام، وقرر الطبيب أنني أحتاج إلى غسيل فوري.

وتابعت بصوت حزين:" لا أنكر الخوف والضغط النفسي الذي تعرضت له منذ أن علمت أن في جسدي كليتين تالفتين وأنني لن ابقى على قيد الحياة سوى عبر جهاز اصطناعي".

في البداية لم تتقبل خديجة فكرة الجلوس على جهاز الغسيل، لكنها وافقت بعد محاولات إقناع متعددة من الأقارب والأطباء.

رغم ما تعانيه خديجة مع الجهاز الذي تلازمه أربع ساعات ثلاث مرات أسبوعيًا إلا أنها مع الأيام أصبحت تتعايش وتتأقلم معه قائلة بابتسامة يملؤها الأمل:" أصبحت أحب هذا الجهاز لأنه يبقيني على قيد الحياة، بعد ان تعايشت مع الفشل الكلوي وأرى حياتي الان جميلة وأحب زملائي المرضى واعتدت على جو المرح داخل هذه الغرفة لذا أنا راضية تماماً بأمر الله سبحانه وتعالى".

لا يعيب خديجة المرض لكنها مشبعة بعزة نفس كبيرة، تجعلها ترفض فكرة الزواج رفضاً تاماً كما تقول " تقدم لخطبتي شاب معلنا انه يتقبل وضعي الصحي، لكنني رفضت حتى لا يعيش معاناتي".

تحلم خديجة بزراعة الكلى لكن حلمها لم يتحقق حتى الأن لغياب متبرع من أفراد أسرتها الذين استشهدوا في الحرب إضافة إلى الوضع الاقتصادي السيء الذي يمنعها من شراء كلية، لتصبح الزراعة "حُلمًا بعيد المنال"، ومن ذاك الوقت قبل خمس سنوات وحتى اليوم أصبحت ماكينة الكلى الصناعية جزءاً لا يتجزأ من حياتها، وقسم الكلية الصناعية في مجمع الشفاء الطبي بيتها الثاني كما وصفته.

سنوات طويلة مرت على إصابة خديجة ومعاناتها لكن جريمة الاحتلال ستبقى ملازمة لها طيلة حياتها.

المادة الصحفية تأتي في إطار مخرجات دورة التحرير الصحفي ضمن برنامج الصحفي الشامل ولا تعبر عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

المصدر : وكالة سوا

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد