بائع فراولة بدرجة "دكتوراة" رهن البطالة في "الشاطئ"
إسماعيل نوفل - خلف "بسطة" تجارية صغيرة في سوق مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة ، يقف الثلاثيني محي الدين كلاب، ويردد بصوت عالٍ "الفراولة الثلاثة بمية "، ثم يتوقف لبرهة؛ ليُجيب على سؤال وجّهه أحد أصدقائه له بصفته "دكتور السوق".
يعمل كلاب (32 عامًا) في مجال البيع منذ صغره، فقد كان يُساعد والده الذي يمتلك بسطة لبيع الخضار، ثم استقل بعمله بعد أنّ أنهى دراسته الجامعية مرحلة "البكالوريوس"، فهو الآن أصبح كبيرًا بما يكفى ليتحمّل مسؤولية نفسه.
شغف نحو علوم الدين
تربّى كلاب في بيتٍ محافظ، يحثّ أبناءه على الذهاب إلى المساجد، والالتزام بالصلاة وقراءة القرآن، الذي أتمّ حفظه خلال مرحلة التعليم الثانوي.
وبعد نجاحه ب الثانوية العامة ، لم يتردد كلاب في اختيار الدراسات الإسلامية التي تتوافق مع شغفه وحبه لعلوم الدين، ليتخرّج منها عام 2011، ثمّ أكمل طريقه نحو الدارسات العليا "ماجستير"، في الحديث الشرف بالجامعة الإسلامية.
مفترق طريق
وخلال عام 2014، أنهى كلاب مرحلة الماجستير، ووقف أمام مفترق طرق واختيار صعب، عبّر عنه بقوله: "توقّعت أنّ أحصل على عمل كأي شخص أخر، ولكني تفاجأتُ بالواقع، وشعرت بالتيه، ولم أدري ماذا أفعل".
وأضاف: "بعد حصولي على الماجستير، توقفت عن العمل في السوق، وبحثت عن فرصة للعمل في مجال اختصاصي"، ولكن كلاب لم ينل مراده، و تساءل في قرارة نفسه لعدّة أيام "هل أعود للعمل في السوق أم لا ؟".
تردّد مُحي الدين، في العودة إلى بيع الفواكه الموسمية، لكنّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعدم حصوله على فرصة عمل في مجال شهاداته الجامعية، أرغمته على العودة إلى السوق.
"زكاة العلم إنفاقه"
رغم عدم حصول كلاب على فرصةٍ للعمل بأجرٍ مناسب، تطوّع في وزارة الأوقاف بمبلغ متدني، إيمانًا منه بأنّ "زكاة العلم إنفاقه"، ولديه واجبًا يُحتّم عليه نشر العلوم التي تعلّمها إلى كل من يحتاجها.
وبسبب إيمانه بهذا القول، استمر في نشر علوم الدين بكل وسيلة متاحة أمامه، رغم انتهاء عمله من "الأوقاف" فيما بعد، واتّخذ كافة السبل في ذلك، منها: إلقاء الخطب في المساجد، والمشاركة في الملتقيات الدينية، وشرح الكتب واجهيًا لمن أراد، وإلكترونيًا عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
واستدرك: ""الحمد لله طبقنا وصية رسول الله قراءةً وعملًا وهذا أكبر شرف"، في إشارة لقوله "صلى الله عليه وسلم": "إنّ قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة... فليغرسها".
وفي سبيل نشره للعلوم التي تعلّمها، دأب على تأليف كتب زاد عددها عن 30 كتابًا، تحدّث فيها عن علوم الدين، والحديث الشريف ووقائع تاريخية، ربطها مع قطاع غزة، منها: مسند غزة، وهو جمع للروايات التي صُرّح من خلال إسنادها أنّها حُدّثت في غزة.
"دكتور السوق"
بعد انتهاء عقده التطوعي مع وزارة الأوقاف عام 2018، عاد إلى بيع الفاكهة، راضيًا بقضاء الله، وتجلّى ذلك بقوله: "لم أندم أنا سعيت لرضى الله، وتوجّهت إلى العمل، وعملت بقول رسول الله: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه".
وخلال عمله في البيع، وبداية تسجيله في برنامج الدكتوراة في الجامعة الإسلامية في غزة، بتخصص الحديث الشريف وعلومه، أطلق عليه أصدقاءه لقب "دكتور السوق"، دلالةً منهم على منزلته العليمة.
وخلال مرحلة "الدكتوراة" التي بدأها عام 2018، عايَش مُحي الدين عدّة أدوار، ففي فترة الصباح يعمل في السوق، والظهيرة يتابع المحاضرات في الجامعة، وفيما تبقّى من اليوم، يحاول تغطية دوره كأب لثلاثة أطفال، وزوج لامرأته، ووفي المساء، يختلي بنفسه لأداء الأبحاث، وتأليف الكتب، التي وصل عددها الآن إلى 50 كتابًا.
مكان مناسب
"أتمنى أن أكون في مكاني المناسب، وأخلص رسالة الدكتوراة"، بهذه الكلمات لخص كلاب طموحاته التي حال وضعه الاقتصادي، وعدم توفّر فرصة عمل، دون ذلك، فقد أنهى المساقات المطلوبة لدرجة الدكتوراه، ولكن تراكم الرسوم الدراسية منعه من استكمال رسالته.
وختم مُحي الدين، قصته بمناشدة أطلقها لكافة الضمائر الحية، وأصحاب القرار في قطاع غزة، وفلسطين عامة، دعاهم فيها إلى النظر حالته وإيجاد حل مناسب له.
المادة الصحفية تأتي في إطار مخرجات دورة التحرير الصحفي ضمن برنامج الصحفي الشامل ولا تعبر عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية