يستمر الزلزال العالمي تحت وطأة أعمال حربية واسعة، وتجنيد وتحشيد كبيرين من قبل الأطراف المنخرطة بالصراع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
يستظهر الصراع مدى الذاتية التي تحكم وتوجه السياسات والمصالح الخاصة والمتضاربة، ويدفع الضعفاء الثمن، رغم ما يبدو أنهم بعيدون عن مجالات التأثير والتأثُّر.
وسط حالة الاستقطاب الواسع بين الطرفين المنخرطين مباشرة بالصراع، ثمة محاولات، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة لاستثمار هذا الوضع الخطير لتشديد قبضتها على الاتحاد الأوروبي الذي يتعرض لتهديد أمن استراتيجي واقتصادي مباشر، ومحتمل.
الولايات المتحدة تستغل ضعف قدرة أوروبا الموحّدة إزاء الدفاع عن نفسها أمام إمكانية توسع دائرة التهديد والاشتباك من قبل روسيا، ما أخذ يدقّ الأجراس لدى بعض العواصم الأوروبية نحو اعتماد سياسات عسكرية أمنية بهدف تحسين استقلالية أوروبا في الدفاع عن نفسها.
كان من الواضح أن ألمانيا، هي أول من استجاب لهذه المخاوف، ولذلك فإنها رفعت ميزانية الدفاع ابتداءً من هذا العام إلى مئة مليار دولار. على الأرجح هي قابلة للزيادة، ما يؤشّر على اندلاع وتصعيد سياسة سباق التسلح، بما يتجاوز الشروط التي تركتها الحرب العالمية الثانية.
الولايات المتحدة، أيضاً، تبدو مرتاحة إزاء ما يجري على المستوى الاقتصادي فهي لا تعاني من نقص إمدادات الطاقة من البترول أو الغاز، فضلاً عن أنها من أقل المتأثرين بالارتفاع الجنوني لأسعار الطاقة، وبإمكانها أن تقلل التكلفة من خلال الضغط على بعض الدول المنتجة للطاقة، خصوصاً الخليجية، لرفع مستوى إنتاجها من الطاقة بما يؤدي إلى ضبط نسبي للأسعار.
من المبكر الحكم على التداعيات التي سيتركها هذا الصراع على مستوى الوضع الدولي، وفوارق الثمن الذي يترتب على مختلف الأطراف، أو إلى أين سترسو هذه الأوضاع وآثارها على مختلف الدول والشعوب خارج جغرافيا الصراع.
تتدفق الأسلحة النوعية الفتاكة إلى أوكرانيا، ويشترك أكثر من أربع عشرة دولة، في مواصلة إرسال المزيد من هذه الأسلحة التي قد لا يكون دورها حاسماً في المواجهات العسكرية النظامية الجارية على الأرض، ولكنها ستضمن تحويل أوكرانيا إلى ساحة حرب مدن وحروب غير نظامية لاستنزاف القوات الروسية، وتكبيدها أثماناً باهظة لا تستطيع روسيا تحمُّلها.
درس أفغانستان واضح للجميع، سواء خلال الاحتلال السوفييتي، الذي ساهمت هزيمة جيشه في انهيار المنظومة الاشتراكية، أو من خلال الهزيمة المذلّة التي لحقت بالاحتلال الأميركي وحلفائه مؤخراً.
الأرض موجودة ومحدّدة، والأسلحة موجودة وبكثرة، والتدخلات موجودة، والدوافع كذلك، والأهداف وتعمل كل الأطراف المنخرطة في الصراع على الاعتماد المباشر على المرتزقة، من خارج مواطني الدولتين المتصارعتين.
منذ الأيام الأولى فتح المجال، وطُولب بتجنيد مقاتلين أجانب ولم يترك الأمر للتطوع، بل إن السفارات الأوكرانية أخذت تتحرك في أكثر من بلد، منها السنغال والجزائر، ما ترك مشكلة دبلوماسية بعد أيام قليلة من اندلاع القتال، أعلنت مصادر أوكرانية أنها جنّدت ستة عشر ألف مقاتل، ولا يعرف أحد حجم هذا الجيش الذي يجري تشكيله وإذا ما كان هؤلاء قد دخلوا إلى الميدان، أم أنهم في الطريق.
روسيا هي الأخرى أعلنت عن تجنيد ستة عشر ألف مقاتل من الشرق الأوسط، فيما يشير إلى أن جيشين من المرتزقة يتشكلان أو في الطريق إلى التشكل لمتابعة الصراع.
الشرق الأوسط خزان الأحزان، إلى هناك حشدت القوات الأجنبية التي تصارعت على الميدان في سورية، وليبيا، والعراق، حشدت عشرات الآلاف من المتطوعين والمرتزقة، الذين عاثوا في الأرض فساداً وقتلاً تحت عناوين الحرية والتغيير.
الآن يجري العكس، فلقد تبدّلت الأولويات وأصبح هؤلاء من الذين راكموا المزيد من الخبرات القتالية، وبات من الضروري إعادة توجيه وتوظيف نحو مناطق قتال جديدة.
بفضل السياسات القبلية والقطرية، والتناقضات بين أطراف النظام العربي الرسمي والتوظيفات، المدعومة خارجياً، لإمكانيات بعض الأنظمة العربية، يقدم العرب أنفسهم كمفعول به، ويدفعون أثماناً باهظة لصراعات ودوافع وأهداف خارجية، لتدمير القدرات والجغرافيا العربية.
من غير المستبعد إزاء هذا الوضع الرديء والمتردي، أن يتم إرغام العرب على دفع أجزاء من تكاليف هذا الصراع الجاري في أوكرانيا.
مبدئياً، فإن استجابة بعض الدول الخليجية لرفع مستوى إنتاجها من النفط والغاز، تشكل نموذجاً للتفريط بجزء من عائدات الطاقة، في حال انخفضت أسعار الطاقة.
المرتزقة الذين كان خطابهم محظوراً، ويوصفون بالإرهابيين من قبل جماعات دولية، يصبحون مقاومين شرعيين اليوم، وتفتح منصات "فيسبوك"، و"تويتر" و"انستغرام"، صفحاتها لمنطق التحريض، بعد أن كانت تحظر ذلك، تكون المقاومة الفلسطينية التي تشرعها القوانين الدولية والأمم المتحدة، إرهابا، ويشمل التوصيف، الأجهزة السياسية والمدنية، ويكون تجنيد المرتزقة، والعمل العسكري لهؤلاء، نضالاً من أجل الحرية في مكان آخر، بينما العنوان في كلتا الحالتين، مقاومة الاحتلال.
يغلق الغرب الرأسمالي عيونه، ويصم آذانه، عن العنصرية المتزايدة والتي تتم ممارستها أمام نظر وسمع العالم في إسرائيل، ويمارس ويشرع العنصرية في مكان آخر.
منظمة "هيومان رايتس ووتش" و(أمنستي) تتحدثان عن تمييز بحق أجانب مقيمين في أوكرانيا، ويضيع هذا التمييز بالحديث عن أزمات إنسانية، وخروقات فظة بحقوق الإنسان في أوكرانيا.
النائب العام للمحكمة الجنائية الدولية، يتحرك في وقت مبكر، للتحقيق في جرائم حرب ترتكب في أوكرانيا، وتتباطأ "الجنائية" حين يتعلق الأمر بجرائمَ حرب واسعة ومتكررة، ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
ميزان العدالة الدولية، مكسور ويخضع لاعتبارات سياسية، تحمي المجرم من الملاحقة والمحاسبة في إسرائيل، وتقوم بتنشيطه والتسريع بتحريكه في أوكرانيا.
هذا هو العالم، المحكوم بالنفاق، وازدواجية المعايير. لكن ذلك يوفر فرصة للفلسطينيين، لوضع الدول ومرافق القضاء والعدالة الدولية أمام مسؤولياتهم لإنصاف الفلسطينيين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد