خلال متابعتي لما يصدر عن الرئيسين الروسي والأوكراني والمواقف الدولية، لفت انتباهي ما قاله السيد بوتين: "الروسيون والأوكرانيون شعب واحد"، هذه القناعة راسخة في عقل القيادة الروسية، ليس من زمن الربيع الأوكراني عام 2014 فقط، بل من زمن الاتحاد السوفيتي.

كذلك صورة المواطنين الأوكرانيين وهم يتصدون للدبابات الروسية دون سلاح لمنعها من التقدم، وفي المقابل تعامل الجيش الروسي الحذر مع المدنيين وحساباته الحساسة في هذا الاتجاه، مع مشاهد المظاهرات في روسيا ضد الحرب، يؤكد وحدة الشعبين.

كان لدينا مثال -انتهى بحمد الله - في تعامل دول الخليج مع قطر قبل المصالحة، بعدما كان يرى قادة الخليج أن دولة قطر بمثابة "الابن الضال" في حسابات أعمق من الاقتصاد والسياسة، قد يكون المشهد الأوكراني بهذا البُعد في منطلقات الموقف الروسي.

اننا نتحدث عن شعبين او شعب واحد بالمعنى الآسيوي وهو قريب جدا من تفكير وعادات الشرق ويؤثر في خلفية القرارات السياسية على عكس الثقافة الغربية التي ذهبت للعقد الاجتماعي، وما تلاها من ترتيبات سياسية واقتصادية مستقرة حتى الآن.

صحيح ان الغرب غرر بـ "الثوار" الأوكرانيين عام 2014، ودفع القيادة الجديدة الى وضع بيضها في سلة الغرب، على أمل الانزياح نحو حاضنة الاقتصاد الحر التي فرضتها العولمة والتطور التكنولوجي الهائل في رغبة شديدة من شباب العالم، ومنهم الشباب الاوكراني التواق لتجربة الانفتاح والانعتاق من إرث الاشتراكية بكافة أبعادها.

رغبة روسيا الاتحادية في استعادة مجد الاتحاد السوفيتي خاصة بعد تطورات الربيع العربي في الشرق الأوسط، ووصول الجيش الروسي لشواطئ البحر الأبيض انطلاقا من سوريا، في ضوء الإهانة في العراق وليبيا، فضلا عن تطورات الاحداث في جورجيا والقرم، وتمادي الغرب في الوصول الى حدود روسيا عبر أدوات حلف الناتو العسكرية، وأذكر ما قاله خبراء السياسة عن احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان باعتباره تمهيدا لهذا اليوم الذي ترغب فيه قوى أسيوية الشراكة في إدارة العالم وموارده.

طبعا.. صراع خطوط الغاز ومدى قدرة أوروبا على استبدال الغاز الروسي مؤسس هام لهذه الأزمة، لكن هل يصل هذا المسار للتأثير على منتدى غاز شرق المتوسط والدول المؤسسة له: مصر والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا وفلسطين، وقدرة الصين على شراء كميات متنامية من الغاز الروسي لزيادة الصناعات الصينية.

محورية روسيا في منظمة الأوبك، وتجربة الدول المنتجة وفي مقدمتها دول الخليج سيكون محل اختبار قريبا، طالما الغرب وامريكا يحملون معيار من لن يكون معنا فهو عدونا، وتجربة العرب المحزنة مع الإدارات الأمريكية السابقة، خاصة بعد الموقف الباهت من الحليف الأوكراني، مما دفع الامارات والسعودية ل فتح قنوات حوار "غير مسبوقة" مع ايران، والسير في خطط استثمار اقتصادية براغماتية جدا داخلية وخارجية.

محددات التحولات سيقرر وجه الجميع بعد انقضاء الوقت اللازم "للتجربة الروسية" في حسم الصراع عسكريا بالوصول لكييف، أو التوصل لتفاهمات جذرية مع القادة الأوكرانيين الذين يشاهدون تساقط المدن بالتوالي، وقبل ذلك شعورهم بخيبة الأمل جراء المواقف الغربية التي تقدم السلاح والقليل من المال مقابل الدم الأوكراني في معركة جر روسيا الى حرب استنزاف مهلكة للبلدين، وهو امر لا يغيب عن صاحب القرار الروسي وفطنة غريمه الاوكراني.

وبما أنني فلسطيني أرى الوضع الحالي المحرج لإسرائيل، والمقارنات المتزايدة حول ازدواجية المجتمع الدولي هنا وهناك، وبما أن العالم يسير لاستقطاب شديد سيكون له ما بعده، فان الشعب الفلسطيني، وقياداته مطلوب منهم وضع الملف الفلسطيني على طاولة العالم من خلال تفعيل مقاومة شعبية سلمية متصاعدة بدل من سياسة الانطواء والعقول المرتعشة.

*مدير مكتب حريات للصحافة والاعلام - فلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد