طرح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد رؤية إسرائيلية جديدة لمعالجة وضع العلاقة المتوترة مع قطاع غزة ، تقوم على مبدأ الاقتصاد مقابل الأمن. وهي خطة متعددة السنوات تهدف إلى «خلق الاستقرار على جانبي الحدود»، على حد تعبيره. ورؤية لابيد هذه فيها تعبير واضح عن الإقرار بفشل السياسات التي استخدمتها إسرائيل في التعامل مع غزة، وخاصة الحصار والإغلاق المفروض على القطاع الذي لم يغير الوضع بشكل جوهري ولم يمنع تهريب وإنتاج الصواريخ، كما يقول.
خطة لابيد الناتجة عن رؤيته الجديدة، التي على ما يبدو تحظى بدعم الحكومة وخاصة رئيسها نفتالي بينيت، تقوم على عدة مراحل ومرتبطة بالهدوء أي بوقف إطلاق النار والهدنة طويلة الأمد. حيث في المرحلة الأولى تتم إعادة تأهيل البنية التحتية في قطاع غزة، في إطار معايير ورقابة دولية صارمة ودور مركزي للسلطة الفلسطينية ومصر. وفي المرحلة الثانية، يتم تنفيذ مشاريع تطوير كبيرة وطموحة مثل الجزيرة الاصطناعية التي هي عبارة عن ميناء بحري بديل. وربط قطاع غزة بالضفة الغربية. وبحيث تتولى السلطة الإشراف على الشؤون المدنية والاقتصادية. وهذه الخطة لا تتطرق إلى مسائل التسوية الدائمة. ولابيد يعتقد أنه في ظل هذه الخطة سيجري تقوية السلطة الفلسطينية وتمهيد الأرضية للتفاوض معها على حل الدولتين.
رؤية لابيد الجديدة في الواقع لا تضع شروطاً على حركة حماس مثل ربط الموضوع الاقتصادي بتبادل الأسرى. ربما على فرض أن صفقة التبادل ستجري قبل البدء بتنفيذ الخطة أو أن يتم التفاوض على الخطة والصفقة بالتوازي دون ربط إحداهما بالأخرى. هي عملياً لا تبعد كثيراً عن موقف «حماس» المبدئي تجاه شروط الهدنة طويلة الأمد. وقد تكون الإشكالية الأكبر في خطته هي دور السلطة المركزي بالإضافة إلى الدور المصري. وربما تسلم «حماس» بدور مصر ولكن من المستبعد أن توافق على دور السلطة.
الجديد في التفكير الإسرائيلي تجاه مشاكل قطاع غزة هو أنهم وصلوا إلى قناعة بأن كل سياسات الضغط والاحتواء التي نفذت في السابق والتي بنيت على مبدأ أن الضغط على المواطنين في غزة سيقود بدوره لانفجار الأوضاع في وجه حركة حماس باعتبارها سلطة الأمر الواقع هناك، وصلت إلى طريق مسدود، وأنه لا بد من اتخاذ سياسة جديدة مختلفة تقوم على مبدأ المصالح المتبادلة على قاعدة «الأمن مقابل الاقتصاد». وهي عملياً لا تبتعد عن مفهوم السلام الاقتصادي وإن كانت تتحدث فقط عن الأوضاع في قطاع غزة ولا تتحدث عن قواعد للتسوية الدائمة.
رفع الحصار عن قطاع غزة مطلب فلسطيني حيوي للغاية، وهو حق يجب ألا يرتبط بأي مسألة أخرى حتى بالمواجهات بين «حماس» والفصائل في غزة وبين إسرائيل، لأن الحصار الظالم عقاب جماعي يطال كل المواطنين في قطاع غزة ويهدد حياتهم ويحولها إلى جحيم. وقد ثبت بالملموس أنه غير مجد ونتائجه ربما تكون معاكسة لما تريد إسرائيل تحقيقه منه. ولكن ترتيب الوضع في غزة ينبغي أن يرتبط بحل القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها حتى لو كان تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع لا ينتظر حدوث اختراق في العملية السياسية. كما أنه من الصعب ان يتم فرض الربط بينه وبين عملية مفاوضات سياسية جادة مع إسرائيل لأن الحكومة فيها غير مستعدة وغير قادرة على مثل هذا الخيار الذي قد يطيح بها بسرعة لمجرد اتخاذ قرار ب فتح مفاوضات حول التسوية الدائمة. وهي حكومة هشة ومشكلة من أقصى اليمين الاستيطاني إلى أقصى اليسار الصهيوني، بمشاركة «القائمة العربية الموحدة».
إذاً، كيف يمكن ربط تغيير الوضع في غزة بمصير القضية الفلسطينية؟. الموضوع هنا يتعلق بالجانب الفلسطيني وقدرته على استثمار هذا التغيير في السياسة الإسرائيلية ليس لجانب التكيف معها بل لخلق آليات وشروط لتغييرها بشكل جوهري بصورة إيجابية. وهذا في الواقع يتعلق بمسألتين: الأولى هي إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية وتوحيد الضفة والقطاع تحت قيادة سياسية واحدة وسلطة واحدة، بحيث تتحول التنمية في قطاع غزة إلى رافعة للاقتصاد الوطني خصوصاً والحديث يدور حول مشاريع كبرى كالميناء وربما مطار في وقت لاحق. والمسألة الثانية، استثمار الهدنة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي بما يدحض الرواية الإسرائيلية التي تقول إن الفلسطينيين عنيفون ولا يريدون سلاماً ولا يمكن أن يكونوا شركاء في العملية السياسية. وإثبات أن الاحتلال والقمع الإسرائيلي السبب في كل الحروب والمواجهات والمآسي التي تلحق بالفلسطينيين أولاً وبالإسرائيليين كذلك. وهذا يمكن أن يؤثر على نتيجة الانتخابات القادمة خاصة إذا توافقت كل القوى على نضال شعبي قوي في الضفة الغربية و القدس المحتلة ضد التهويد والاستيطان ومصادرة الأراضي، وممارسات الاحتلال القمعية الأخرى. فهل نستطيع أن نبني استراتيجية وطنية جديدة قادرة على استثمار الظروف الجديدة وتطويرها بما يخدم قضيتنا؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية