لو نظرنا الى الجماعات والأنظمة الإسلامية نجد أنها تختلف تماماً عن بعضها البعض , من حيث الفكرة والتطبيق , أولاً من حيث الفكرة نجد أن طالبان تكتفي بإقامة إمارة إسلامية على أرض أفغانستان , والإمارة هي جزء من الخلافة , ولكن داعش تسعى لإقامة خلافة إسلامية على كل بقاء الأرض , وكذلك التيار السلفي حول العالم سواء من بايعوا داعش أو غيرهم من المستقلين تنظيمياً , فكل دولة عربية أو إسلامية فيها تيار سلفي سواء جهادي أو دعوي , وهذا التيار يحمل فكرة واحدة وهي تطبيق الشريعة الإسلامية , ولكن منهم من يدعوا الى تطبيق الشريعة في الحدود الجغرافية للدولة , ومنهم من يدعوا الى تطبيق الشريعة على شاكلة خلافة إسلامية مترامية الأطراف , فمثلاً في فلسطين وتحديداً في غزة نجد أن التيار السلفي المنافس للإسلام السياسي يتشكل في عدة قوالب , فحزب التحرير مثلاً يطالب بإقامة الشريعة الإسلامية على أرض فلسطين لتكون فلسطين إمارة إسلامية , وهذا بعكس السلفية الجهادية في فلسطين وتحديداً غزة , والتي تبايع داعش وتطالب أن تكون فلسطين ولاية تابعة لخلافة إسلامية تمتد عبر سيناء وتتمركز في العراق والشام , وهناك تيارات وأحزاب إسلامية تنتشر في الدول العربية والإسلامية تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية دون داعي لإقامة إمارة أو خلافة , وهذا النموذج شاهدناه في السعودية ولكنه يتبع لنظام ملكي وليس تيار أو جماعة , ولكن هذا النظام الملكي جمع بين سياسة الأمويين في التوريث في الحكم , وبين الفكر الوهابي السلفي في تطبيق الشريعة , ومن وجهة نظري نجح هذا النظام الى حد ما , خاصة وأن إراقة الدماء بين العرب والمعروفة تاريخياً نتيجة صراع على الحكم "الإمارة والخلافة" ولذلك نجحت السعودية في أن تقتصر بفكرها الوهابي السلفي داخل حدود المملكة .

ثانياً ومن حيث التطبيق فهذا الأمر متروك الى القوة العلمية لأي نظام أو تيار إسلامي , فتطبيق الشريعة بكل أشكالة سواء كان خلافة أو إمارة أو مملكة مثل السعودية يحتاج الى علم الفقة والعقيدة والشريعة , والإستناد الى القرآن والسنة في كل خطوة أو دليل , دون ذلك سيكون هناك شبهات كثيرة قد تؤدي الى الكفر أو الفسق أو الظلم , فكلما كان العلم الشرعي والفقهي حاضراً , كلما كان العدل والحكم الرشيد حاضراً .

أستطيع أن أقول أن طالبان نجحت في تقديم نفسها على شكل إمارة إسلامية تقتصر على حدود أفغانستان , ولا تتدخل في شؤون الآخرين , وستكون أقل حدة بحسب خطابها الإعلامي بعيد سيطرتها على الحكم في أفغانستان من زمن الملا عمر , فمن الواضح أن طالبان تعلمت كثيراً من أخطاء الماضي , وقدمت نفسها كنسخة من الحكم الوهابي السعودي الناحج كونها داخل حدود أفغانستان , ولكن الفرق البسيط هو أن السعودية تعتمد التوريث في الحكم كما فعل الأمويين , وطالبان أعلنت أنها إمارة إسلامية دون أن تحدد دستور مناوبة "الأمير" على الحكم , فهل سيكون بالشورى أم بالتوريث أم بالبيعة بقوة السلاح .

طالبان تمد يدها للسلام للمجتمع الدولي , وفتحت صفحة بيضاء في داخل أفغانستان , وأصدرت خطاب العفوا العام لكل معارضيها في أفغانستان , وأبرمت إتفاقاً مع الولايات المتحدة مهد لها الطريق للسيطرة على الحكم , وينص هذا الإتفاق على أن طالبان لا تختلف عن أي نظام عربي سياسياً , ولكنها تختص بشأنها بما يخص الشريعة الإسلامية , وهذا ما وافقت عليه الولايات المتحدة , لتصبح طالبان إمارة إسلامية تجمع بين الدين والسياسة , وتجمع بين الشريعة الداخلية والتشدد الداخلي , وبين الإنفتاح السياسي على العالم .

الإسلام على طريقة طالبان يشبه تمام الإسلام على طريقة السعودية الوهابية , وهذا الإسلام هو صحيح لأنه يتناسب مع الواقع , ويبعد عن نزاع الحصول على الخلافة والإمارة حول العالم كما تفعل داعش , وهذا بحد ذاته ساعد الولايات المتحدة على الإنسحاب من أفغانستان كي تستطيع طالبان السيطرة الكاملة وإقامة الإمارة الخاصة بأفغانستان .

كاتب ومحلل سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد