يحتفل العالم بيوم الشباب العالمي في 12 آب/أغسطس من كل عام، وذلك للفت اهتمام المجتمع الدولي والحكومات الوطنية بقضايا الشباب، والاحتفاء بإمكانياتهم بوصفهم شركاء في المجتمع العالمي المعاصر. وهو يوم اعتمدته الأمم المتحدة في دورتها الرابعة والخمسين بموجب قرارها 54/120 المعنون "السياسات والبرامج المتصلة بالشباب" العام 1999. بهدف تعزيز منظومة حقوقهم ورفاههم، بما في ذلك إذكاء الوعي بقضاياهم وتطلعاتهم في مجتمعاتهم وعلى مختلف الأصعدة.
فوفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد بلغت نسبة الشباب من الفئة العمرية (18-29 سنة) في فلسطين نحو 23% من إجمالي السكان بواقع (1.16 مليون)؛ نصفهم ليسوا في دائرة العمل أو التعليم أو التدريب، بواقع 43% في الضفة الغربية مقابل 67% في قطاع غزة ، وقد ارتفعت نسب ومعدلات الفقر والبطالة، فكانت الأعلى في قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية، علماً بأنها تتركز في صفوف الخريجين وحملة الشهادات العليا. والأخطر أن أقل من 1% من الشباب فقط في مراكز صنع القرار، وتجدر الإشارة لأن شريحة الشباب في مجتمعنا تصل لحوالي 30% فيما لو وسعنا الفئة العمرية لحوالي 35 عاماً.
ولعل المتأمل للحالة الفلسطينية يصل إلى قناعة بأن هذه المناسبة لهذا العام، تأت في ظل متغيرات بالغة القسوة، وتنذر بخطورة بالغة على مستقبل كيان الشباب الفلسطيني ولا سيما في قطاع غزة، فلقد واصلت سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي تنصلها من أدنى مبادئ القانون الدولي الإنساني، وقواعد قانون حقوق الإنسان، من خلال استمرارها في ارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين، وفي مقدمتهم الشباب سواء في الضفة الغربية و القدس وقطاع غزة.
لقد أخذت جرائم الاحتلال بحق الشباب الفلسطيني أكثر من نمط، أبرزها سياسة القتل والإعدام الميداني على الحواجز والطرقات، الاعتقال الغير مشروع، المنع من التنقل والسفر، هدم المنازل، التهجير القسري والحرمان من أدنى الحقوق، هذا فيما يتعلق بالضفة الغربية والقدس المحتلة، وليس آخرها شن عدوان عسكري واسع النطاق على قطاع غزة خلال الفترة الواقعة ما بين 10-20 مايو 2021، خلف حصيلة صادمة في الأرواح والممتلكات، ودمار منظم للمرافق والبنى التحية، وما تبعه من تشديد الحصار والقيود وإغلاق المعابر، والتي بكل تأكيد دفع ويدفع الشباب الفاتورة الأكبر.
إضافة لما تقدم، فإن هذه المناسبة لهذا العام تأت في وقت تم فيه تأجيل الانتخابات العامة ليوم غير معلوم، وما سبقه من تعثر المصالحة، وتغول الانقسام، وما ترتب على تلك الحالة الشاذة من زيادة مؤشرات الإحباط واليأس والاغتراب، انعدام الأمل بالمستقبل والهجرة والانتحار، خصوصاً وأنه خلال سنوات الانقسام تم الزج بحقوق وحريات الشباب في آتون الانقسام، ما أسهم في تردي أوضاعهم وبالأخص في قطاع غزة.
كما وألقت جائحة كورونا والتدابير الاحترازية المصاحبة بظلالها السلبية على الشباب، حيث أسهمت بشكل أو بآخر في ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق، تنامي معدلات العنف والعنف الأسري والجريمة، اتساع فجوة الفقر والعوز والبطالة، فاقمت مؤشرات انعدام الحيلة والتكيف السلبي، كما وعمقت مظاهر التهميش وإقصاء الشباب عن المشاركة في مناحي الحياة العامة ومواقع صنع القرار، وهو ما زاد من هشاشة أوضاع الشباب الفلسطيني، في ظل غياب السياسات الحكومية لتذليل حدة هذه العقبات من طريق الشباب.
ينتاب غالبية الشباب الفلسطيني شعوراً بالقهر والوجع، جراء حالة الفشل التي منيت بها شعارات المكونات الرسمية والحزبية، التي ما لبثت أن توعدت المواطنين بحياة أفضل، سرعان ما انكشف زيفها وأنها ليس إلا مجرد سراب، وضحك على الدقون في إطار استغلال حاجات الناس، وفي القلب منهم الشباب.
وفي المقابل يجمع الشباب نظرياً على ضرورة إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، وعلى إجراء الانتخابات العامة من خلال إيجاد معالجات وتوافقات وطنية، لمسألة الانتخابات بالقدس المحتلة ترشحاً وانتخاباً ودعايةً، كما ويؤكد الشباب في كل مناسبة على أن هناك حالة إجحاف تصادر أدنى حقوقهم. كما ويعبِر الشباب عن عدم رضاهم عن حجم تمثيلهم الصفري في مؤسسات وهياكل "م. ت. ف"، وفي الحكومة والمجلس التشريعي، بما في ذلك عدم رضاهم عن أداء الفصائل والقوى ومنظمات المجتمع المدني تجاه قضاياهم.
إن تلك المؤشرات تكشف صراحةً عن حالة من السلبية تلازم مجتمع الشباب، وعنوان هذه الحالة أنهم يريدون، يحلمون، يطالبون لكنهم بكل أسف عاجزون، قاصرون. في حين أن تسطير معالم الأفضل وصيانة الحقوق والحريات وترجمة الآمال، مرتبط وجوداً وعدماً بمدى وجود شرائح ومكونات مجتمعية حية، ترفض كل من لا يحترم آدميتها وكينونتها، وتناضل بالقوة الناعمة المنظمة والمتراكمة، لجهة الاعتراف بوجودها وبحقوقها وبتطلعاتها قولاً وممارسة، وهو ما لم يتوفر في مجتمعنا، فعلى صعيد الشباب لا زالوا يحلمون لكنهم عاجزون، يريدون لكنهم يجهلون قيمة وأهمية دورهم في قلب المعادلة لصالحهم، وفي ذات الوقت يرفضون القمع والتهميش والاستبعاد، لكنهم من حيث الممارسة يلتفون حول من ينكر عليهم ذواتهم.
إن الخلاص من تلك المعادلة الغريبة تتطلب منا كشباب، أن نقتنع بأنه لا أحد سيكون ملكياً معنا أكثر من الملك نفسه، وأن نوحد برامجنا على قاعدة لا يحك جلدك إلا ظفرك، وأن ثمة لا أحد سيمنحنا دوراً أفقدناه لأنفسنا، فهل سنشهد في القريب ميلاد شريحة شباب تريد وتطمح، تبادر وتنطلق؟.
أعتقد أنه لذلك الحين مطلوب فوراً من الجهات الرسمية الفلسطينية بما فيها سلطة الأمر الواقع بقطاع غزة، وضع قضايا الشباب على سلم أولويات الأجندة الحكومية، وإطلاق العنان للحريات وحقوق الإنسان، وتقليص رقعة الفقر والبطالة، وتعزيز المشاركة الفاعلة في مراكز صنع القرار، واستحداث نظام الضمان الاجتماعي للخريجين والمتعطلين عن العمل، وإلغاء نهج الضرائب المرهقة، ووقف سياسة الجبابة خلافاً للقانون، بما في ذلك تقديم حلول إسعافية، ودعم الطلبة وتوجيه التعليم وتحسين مخرجاته.
ومن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، تفعيل أدوارها في مجال الضغط والمناصرة للتصدي لظواهر البطالة والتخلف والفقر الاجتماعي والاقتصادي في صفوف الشباب، في إطار استراتيجية متكاملة تُشكل إسهام حقيقي في مجال تطوير أدوار مشاركة الشباب، وتوسيع خياراتهم وقدراتهم وتمليكهم عناصر القوة والأمل. وعلى الرغم من سوداوية الوضع القائم، إلا أن معالجة ذلك الوضع ليس بمستحيل، إذا ما تولدت الإرادة والوعي الجمعي بأهمية ذلك.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية