اثارت مطالبة الاسير المحرر عصمت منصور معادلة شهادته التي حصل عليها اثناء وجوده في السجن والاعتراف بانجازاته الادبية والفكرية (ثلاث روايات وعشرات الابحاث والمقالات وإتقان لغتين) ورد وزارة التعليم العالي له بان لا مكان لأي استثناء حتى للأسير، موجة من التعاطف والالتفاف حول هذا المطلب لأسباب لها صله بمكانه الاسرى وتضحياتهم والانطباع الراسخ في وجدان الرأي العام بأن الاسير استطاع ان يحول السجن الى جامعة ...
وان كنت اتفق مع هذه الاراء وأؤيدها من واقع تجربتي الشخصية، إلا اني اود ان الفت لأبعاد اخرى تنطوي عليها هذه الحملة وضرورة انجاحها وهي مرتبطة بقيم المجتمع والى اي مدى يعبر عنها ويعكسها نظامنا التعليمي والى اي درجة يستهدف ترسيخها وتعميقها في المجتمع. لا فصل بين المجتمع ومنظومته القيمية وأولوياته وهويته وظروفه التاريخية وما بين مناهجة التعليمية وقوانينه الناظمة لهذه العملية، وانطلاقا من هذه المسلمة وكوننا شعب تحت الاحتلال وكون الاسر ثمرة مقاومتنا ونتاج لواقعنا وكون هذه الظاهرة ستلازمنا ما دمنا نناضل حتى نحقق اهدافنا بالحرية، فان هذا المطلب وهذه الحملة تعني اعادة انتاج النظام التعليمي على اسس وقيم المجتمع وأولوياته وبما يعزز وحدته وصموده وقدرته على الانتصار وفي المقدمة افساح المجال امام الاسرى والمناضلين وأصحاب الاعاقات التي خلفها الاحتلال .
ان الرموز التي حفظت في الوجدان الشعبي وحفظتها الذاكرة الجماعية والى جانب دورها النضالي الملموس سجلت انجازات ثقافية يعتز بها شعبنا وهي شهادة حياة له ولإنسانيته وتشبثه بالحياة وتمسكه بالمعرفة كأداة صمود ونضال ونقض للرواية الصهيونية وتثبيت لروايتنا كشعب اقتلع من جذوره ولا زال يناضل من اجل حقه في الوجود، وهنا يقع على مجتمعنا ونخبه ومثقفيه تسليط الضوء على هذه الحملة والاهتمام اللازم كمطلب عيني ملموس يجب ان يلبى وكدلالة ومؤشر على وجهة مجتمعنا وأولوياته.
اسبوع على حملة حق الاسير ان يتعلم ي فتح « صندوق باندورا « كلما طال امد حملة الاسير المحرر عصمت منصور كلما تكشفت اكثر هذه القضية المهملة والمنسية في حق الاسير ان يتعلم من مؤتمره الصحافي الذي افتتح به الحملة قال منصور وهو يشير بإصبع الاتهام نحو وزارة التعليم العالي ان الاخيرة « لم تبادر ولو لمرة واحدة الى عقد ندوة او ورشة او نقاش اكاديمي حول كيفية تذليل العقبات التي يضعها الاحتلال امام الاسرى داخل السجون ومساعدتهم في التعلم « هذه الحقيقة تبدو صادمة اذا ما علمنا ان 750 الف فلسطيني دخلوا السجون منذ بداية الاحتلال الذي لا زال جاثما على صدر الشعب الفلسطيني وبالتالي ازدياد هذا العدد بشكل طبيعي . يتضح ايضا ان هناك الان 520 اسيرا يتعلمون في الجامعه الاسلامية في غزة من داخل السجون ( بعد ان منعت الكنيست الدراسة في الجامعة العبرية بما عرف بقانون شاليت 2011).
حيث اعتمدت الجامعة مجموعه من الاسرى داخل كل معتقل من حاملي شهادة الماجيستير والدكتوراه كمحاضرين يشرفون على العملية برمتها من داخل السجن، وما بدا باختصاص شريعة ولغة عربية بنجاح مبهر وحقق ما يشبه الثورة الاكاديمية داخل السجون توسع لاختصاصات تكاد تغطي العلوم الانسانية جميعها، هذه الالية المرنة والإبداعية تصطدم بحائط الخلاف السياسي بين الضفة وغزة والبيروقراطية بحيث لا تعترف وزارة التعليم العالي بهذه الالية.
كذا الامر مع شهادات الثانوية العامة التي تمنع اسرائيل تقديمها داخل السجون منذ سنوات الامر الذي تجاوزه الاسرى بنفس الية الجامعة الاسلامية ويواجه نفس المعضلة في الضفة . هذا ناهيك عن الدراسات التي يعدها الاسرى ونتاجهم الثقافي والأدبي والفكري الذي لا يأخذ بالاعتبار او يوازى بساعات حسبما تطالب الحملة. اسئلة كثيرة تثيرها هذه الحملة حول هذا الملف المنسي اشبه بالأسطورة الاغريقية « صندوق بنادورا» الذي خرجت منه كل الشرور وهو ملف ساخن يحتاج لأكثر من التبرير والمماطلة.
للتواصل:
بريد الكترونيmehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية