منذ أن تم التوقيع على اتفاق أوسلو في أيلول من العام 1993 وحالة الاستقطاب السياسي الفلسطيني الأحادي تأخذ شكلها العامودي والأفقي، سواءً على مستوى القيادة السياسية وعلى نسبة ليست بالقليلة من شعبنا الفلسطيني ممن تأثروا فيها ورددوا كلماتها أحياناً دون وعي وإدراك، لتبلغ ذروتها مع فوز حركة " حماس " في الانتخابات التشريعية في العام 2006 وتشكيل الحكومة الفلسطينية برئاسة "حماس"، لتأتي أحداث غزة في العام 2007، لتفاقم من حدة الاستقطاب بتكريس حالة من الانقسام المقيت..!
تلعب حدة التجاذبات السياسية دوراً بارزاً في التأثير السلبي المباشر على المشروع الوطني الفلسطيني بمعناه الجامع، فكان على حساب خسارة الوقت والجهد والإمكانات والرؤية الاستراتيجية للمشروع، وفي المقابل لا يبدو بأن هناك في الأفق ما يلوح بشيء جِدي كمحاولة إلى رأب الصدع الوطني إلى غير رجعة..!
وعلى مدى سنوات الانقسام، لم تتوقف الرحلات المكوكية للقيادة الفلسطينية وإبرام الاتفاقات وبراعيات كريمة من دول عربية وإسلامية، من الدوحة إلى اليمن إلى مصر فالسعودية وقطر وتركيا وإيران إلى وثيقة الأسرى وغيرها.. وآخرها ما تم التوقيع عليه وما بات يعرف باتفاق مخيم الشاطئ في قطاع غزة في 24/4/2014، لكن لا تكاد تجف حبر كلمات الاتفاق إلا وتبدأ جولة جديدة من التراجعات و"لحس ما تم الاتفاق عليه"، سواءً بسبب تدخلات خارجية، أو لحسابات سياسية داخلية، بحيث كل طرف يضع الملامة في التعطيل على الطرف الآخر، وبين هذا وذاك يدفع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج أثماناً باهظة على المستوى السياسي والإنساني وآخرها النكبة الثانية التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا في ظل غياب مرجعية فلسطينية موحدة قادرة لأن يكون لها دور مؤثر..!
في المقابل نجح فلسطينيو أوروبا بالتقاط منهجية الحصانة الوطنية واستبعاد – وإلى حد كبير - حالة الاستقطاب الذاتية والتركيز على الجامع الوطني والالتقاء على المفاصل الوطنية الجامعة كرصيد كمي ونوعي تم تأصيله والتقعيد له بشكل استراتيجي لينمو ويكبر ويوجِد مساحة من التفاعل على مستوى القارة الأوروبية وخارج حدود القارة، فمن مؤتمر فلسطينيو أوروبا الأول الذي عقد في العاصمة البريطانية لندن عام 2003 الى النسخة الجديدة المعدلة للمؤتمر رقم 13 الذي سيعقد في 25 الجاري في العاصمة الألمانية برلين، فخلال أكثر من عقد من الزمن شكَّل المؤتمر بديمومة انعقاده سنوياً محطة جامعة لكافة الفسيفساء والطيف الفلسطيني وغير الفلسطيني وبتوجهاته السياسية المختلفة وحمل شعار "فلسطين تجمعنا والعودة موعدنا"، وأنجب ولَّادات لها مكانتها وتأثيرها في الوسط الفلسطيني وفي العالم الغربي والعربي والإسلامي على مستوى إنشاء المؤسسات المتخصصة بقضايا اللاجئين والعمل النقابي والأدبي والفكري والثقافي والفني والأكاديمي..، لتكون فلسطين أكبر وأهم من الحزب ومن التنظيم، وإن كان هناك ما يُختلف فيه، فهناك الكثير مما يُتفق عليه، وعلى هذه القاعدة الذهبية يستشعر الوجود الفلسطيني في أوروبا الذين اختاروا هذا العام عنواناً لمؤتمرهم "فلسطينيو أوروبا والمشروع الوطني الفلسطيني" ليشكل حاضنة ورافعة معنوية وسياسية ووطنية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ومقدمة للعب دور رئيسي وأساسي من التمثيل الفلسطيني ولتكريس المرجعية الفلسطينية الموحدة، وبهذا المعنى ليس غريباً أن يحمل المؤتمر هذا العام ذاك العنوان، وأن يُهاجم وبشراسة على الصفحات الصفراء..!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية