حينما قررت الترشح للرئاسة الفلسطينية أواخر العام 2005م كإسلامي مستقل كنت أردد بوضوح واستمرار: ( أن ليس لدي أي أوهام بالفوز، لكنني أردت ارسال رسالة سياسية من أعلي منبر سياسي فلسطيني)
وأعتقد أن الرسالة سُجلت للتاريخ ويكفيني فخراً قول أحد أعضاء اللجنة الثلاثية التي أجرت اللقاءات التلفزيونية مع المرشحين السبعة وهو الدكتور/ هشام فرارجة أستاذ العلوم السياسية ب جامعة بيرزيت مع تقديري واحترامي للأخوين /عارف حجّاوي وخليل شاهين الذي صرّح على الهواء مباشرة : ( لو كان الأمر بيدي لاحتكرت المقابلة مع السيد بركة ).
لأنني كإسلامي فلسطيني مستقل كنت ولا زلت أحاول الاقتراب من مستوي التمثيل اللائق بشعبي الحر المستقل العنيد المحتسب الحكيم القابض على جمرة الزمن وجمرة التاريخ إلى أن ينصفه الزمن وينصفه التاريخ المعاصر ولذلك من أهم الشعارات التي رفعتها حينها : " نريد سلطة المجتمع لا مجتمع السلطة"
والحقيقة المرَة أن حكام الشعب الفلسطيني في رام الله و غزة نجحوا بامتياز في تعميق وإدامة ومأسسة مجتمع السلطة، وهم أبعد ما يكونون بملايين الأميال عن سلطة المجتمع حتى الآن، وسلطة المجتمع هي سلطة الشعب بجناحيه الحاكم والمعارض.
لذلك تختلف التجربتان السياسيتان في رام الله وغزة في أشياء كثيرة، لكنهما نجحتا بامتياز فيما عجز الاحتلال في القيام به وهو " تخويف الناس أو الشعب من خلال الحكم الأمني القائم على القبضة الأمنية الحديدية "التي تجرّم كلٌّ منهما التخابر مع السلطة الأخرى أي أنك لا تجد ما يستحق الثناء على المستوى الاقتصادي او الثقافي أو السياسي، لكنك تقف بإجلال واحترام غير قابل للطعن للنجاح الأمني!!!
في كتم أنفاس الشعب طالما أن هناك من يحتكر النطق باسمه في رام الله وغزة.
وأختم هذه الفقرة من مقالتي بخلاصات أهمها:
1- أن انتخابات 2005و2006 الرئاسية ثم التشريعية كانت " وليمة مسمومة" أنتجت الانقسام المشئووم الذي ضرب أهم ما يميز الشعب الفلسطيني وهو " أن يكون مضرب مثل وقدوة للآخرين، ولعلنا بجرأتنا على الدم كنا السباقين لما سُمّي بالربيع العربي الذي أصبح دماراً وخراباً عربياً بامتياز وقدمنا مثالاً سيئاً ونقيضاً لمحيطنا العربي والإسلامي من خلال الانقسام المشئووم .
2- رغم أنني سعيد بتجربتي تلك إلا أنني لو عاد بي الزمن للوراء لأنفقت ما أنفقت حينها على الانتخابات على الأسر المستورة والعفيفة والمحتاجة.
3- حينما سُئلت بعد اعلان النتائج وفوز الرئيس محمود عباس من قبل قناة الجزيرة عن تعليقي قلت ( أُهنيء أميركا ومبارك وأعزّي الشعب الفلسطيني بفوزه) ولا زال شعبنا بيتاً للعزاء للأسف الشديد لأننا لم نغلق بعد مأتم الوحدة الوطنية
أما انتخابات اليوم المزمع إجراؤها والتي ستبدأ بالتشريعي في أواخر مايو 2021م فقليل من المنطقية والمسئوولية يجعلنا نيابة عن شعبنا وعن كل حر مخلص لفلسطين ، نطرح هذه التساؤلات البسيطة والمباشرة: هل قرار الانتخابات هو فلسطيني؟ أم أنه قرار أمريكي صهيوني بامتياز؟ وهل التوقيت في ظل وحدة الحال بين بن يامين نتنياهو وبن زايد وبن سلمان الذين دشنوا حفلة البيع لفلسطين على أمل إقفال ملفها، هل هذا التوقيت بريء أو ممكن أن يخدم المقاومة أو فلسطين وشعبها ناهيك عن إغلاق مأتم الوحدة وانهاء الانقسام؟
من واقع تجربة الانتخابات السابقة التي أورثتنا ولا تزال الانقسام المشئووم ومن واقع التطورات السياسية التي عصفت بالواقع العربي في العشرية الأخيرة والتي ختمت ب صفقة القرن وحفلة تدشين بيع فلسطين بين " البراهمة " وليس الابراهيميين وهم أبناء الشيطان وليسوا أبناء إبراهيم.
في ظل هكذا معطيات أكاد أجزم أن هذه الانتخابات ستكون " الفخ الأكبر" للقضية الفلسطينية ، وأنها ستنهك شعب فلسطين ، وتأتي على ما تبقي لديه من عافية وعنفوان خصوصاً إذا بلعنا الطعم الوهم وهو " نريدها مدخلاً لانهاء الانقسام وتجديد الشرعية".
نعم إن الذهاب لهذه الانتخابات هو إصرار من القيادة الفلسطينية في رام الله وغزة على الاستمرار في سياسة إدمان تعاطي الأوهام وبيعها وتسويقها على جميع أبناء الشعب الفلسطيني لقتل الوقت وقتل ما تبقي من عافية وعنفوان لصالح العدو الصهيوأمريكي وخدّامه من الحكام أبناء الشياطين المشار إليهم أعلاه.
( أنتم نقطة ضعفنا )
إذا غادرنا جو الانتخابات وعدنا إلى أجواء التطورات الإقليمية والدولية والمعادلات الجيو سياسية وانعكاسها على قضيتنا ولا أريد أن أتوسع في الحديث.
ولكنني فقط سأحاول أيضاً طرح بعض الأسئلة المنطقية التي تكشف هشاشة موقفنا وحالنا الفلسطيني
حينما كان الاتحاد السوفيتي موجوداً كأحد القطبين الحاكمين مع أميركا للعالم
كنا كشعب فلسطيني وكثورة فلسطينية نتباهى بعلاقتنا بالاتحاد السوفيتي رغم أنه كان يُوسْم بالالحاد لأنه كان داعماً لنا ولقضيتنا في مقابل دعم واحتضان أميركا للكيان الإسرائيلي أما اليوم، فمن هي الدولة الأهم التي تحتضن وتدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته بكل ما تستطيع رغم كل العوائق الجهنمية اللوجستية؟ أليست الجمهورية الإسلامية في ايران هي المتفرّدة بوضوح وقوة وبفخر في دعم واحتضان فلسطين وشعبها ومقاومتها؟
وبناءً عليه هناك صراع دموي وفتاك بين نموذجين وجبهتين:
وسأكتفي بذكر نموذج من الشهداء
نموذج على رأسه الشهيد اللواء قاسم سليماني الذي تباهي الرئيس الأميركي الهالك ترامب بقتله معترفاً بتأثيره العالمي على مسرح الأحداث وخصوصاً مسرح فلسطين وكذلك نموذج سيد شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان وهو الشهيد عباس الموسوي الأمين العام السابق لحزب الله الذي قتله الكيان الإسرائيلي بالسلاح الأمريكي وبالضوء الأخضر الأمريكي.
وأختم بنموذج انساني ثالث وهو الشهيد الحاج/ رضوان ( عماد مغنية) الذي كان الرجل الأول وراء انتصارات حزب الله خصوصاً في التحرير في مايو 2000م وفي حرب 2006 م التي أكدت أننا دخلنا زمن الانتصارات وبدأ زمن الهزائم للكيان الصهيوني ومن معه.
هذه النماذج الثلاث التي تمثل محور المقاومة بامتياز وجدارة متناهية في مواجهة محور الشر والاستكبار العالمي الأمريكي الصهيوني العربي الرجعي، الذي يمثله أبناء الشيطان المشار لهم أعلاه.
هل يُعقل أن يستمر التلعثم لدى القيادة الفلسطينية في تبني هذا النموذج أو في حسم الانتماء معه إلى جبهة واحدة حتى الحسم وحتى النصر وحتى الشهادة وحتى القدس
إن الحقيقة المرّة يا سادة أن شعب فلسطين شعب ثوري وعنيد وجبار على الأعداء ووفي جداً للأصدقاء لكنه يستحق قيادة أكثر شبهاً به فهل تتواضعون وتعترفون؟
لأنكم وأقولها قولَ مودّع:
أنتم نقطة ضعف شعبنا الفلسطيني، وأنتم نقطة ضعف المحور، ومن ضعفكم يَفتلُ الأعداء حبالهم لخنق الشعب ومعه الأمة العربية والإسلامية لا بل وخنق أحرار العالم ، إن الأمة بأسرها تحتاج إلى الهيبة والعزة والكرامة الفلسطينية.
إن أهم قانون يحكم الفلسطيني هو : ( إما أن يكون الفلسطيني مضرب مثل وقدوة أو لا يكون)
نعم الشعب مضرب مثل وقدوة لكل شعوب الأرض فهل أنتم كقادة كذلك؟
هل أنتم مضرب
مثل؟
تواضعوا واعترفوا وافعلوا شيئاً للتاريخ ولفلسطين ولأحرار الأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم قبل فوات الأوان.
واعلموا أن فلسطين خافضة رافعة ترفع من يخدمها بإخلاص، وتحتضن كل من يخذلها بنذالة وعمالة أو جهالة !!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية