أخيراً صدرت المراسيم الرئاسية الخاصة بإجراء الانتخابات، بما يعني أن الباب قد ان فتح واسعا لإجرائها، وبالتالي لإعادة ترتيب الوضع الداخلي، بما يضع حداً للانقسام الجغرافي والسياسي، الذي استمر أربعة عشر عاما أثقل خلالها الكاهل الوطني، وألحق الضرر الفادح بالقضية الفلسطينية، خاصة لجهة القدرة الكفاحية على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي سياسياً وميدانياً، لكن إصدار المراسيم لا يعني أن إجراء الانتخابات بات أمراً مؤكداً مئة بالمائة، كما أن إجراءها لا يعني أيضاً أن إنهاء الانقسام، وتوحد الفصائل، خاصة «فتح» و» حماس »، قد بات مؤكداً تماماً، وأن خطيئة وطنية كبرى من وزن الانقسام، لن تحدث مجدداً.
أولاً وقبل كل شيء هناك تفاصيل منها ما هو خاص بسلطتي الحكم الداخلي ومنها ما هو خاص بالعدو الإسرائيلي، قد تعرقل أو تعيق أو حتى تفجر حافلة الانتخابات، ومنها ما يقع في الفترة حتى الثاني والعشرين من أيار موعد إجراء الجولة الانتخابية الأولى، الخاصة بالمجلس التشريعي للسلطة، ومنها ما يقع بعد ذلك أي حتى الحادي والثلاثين من آب موعد إجراء انتخابات المجلس الوطني الخاص بـ»م ت ف»، مع ذلك فإننا نقدر أن التفاصيل لن تمنع إجراء الجولة الانتخابية الأولى، فإسرائيل في عهد جو بايدن، لن تقدر على منع إجراء الانتخابات، فأوروبا موافقة على إجرائها وبايدن يتقرب من أوروبا، كذلك حماس باتت بعد السنين على يقين بأن إجراء انتخابات التشريعي بما يعني حل المجلس الثاني خاصتها، لا يعد خسارة، فالمجلس طوال 14 سنة لم يؤمن لها شرعية السلطة، ولا في غزة ، التي أمنتها القوة العسكرية ميدانياً، كما أن «حماس» وافقت على هذا المسار بعد أن أيقنت بأن السلطة وصلت إلى أضعف حالاتها خلال سنوات دونالد ترامب الأربع الماضية.
وحماس، اليوم، ترى أن انتخاباتها الداخلية هي الأهم، بمعنى أنها المدخل لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية، أو إعادة تموضع مكانتها الداخلية، بما يبقي على مكانتها كند لحركة فتح وكمنافس لها حتى في الميدان الشعبي، ولأنها كانت على أبواب إجراء انتخاباتها الداخلية، فإن المراسيم الرئاسية عجلت في ترتيب أوضاع الحركة الداخلية عبر التوافق بين أفراد مربع سلطتها الداخلية ممثلة بكل من إسماعيل هنية ، خالد مشعل، صالح العاروري ويحيى السنوار.
توافقت حماس سريعاً على التجديد لهنية كرئيس للمكتب السياسي، واختارت مشعل كرئيس للخارج التنظيمي، والعاروري كرئيس لتنظيم الضفة والسنوار كرئيس لتنظيم قطاع غزة، بما يعني أن توزيع مرشحيها لانتخابات التشريعي سيأخذ بعين الاعتبار توزيع قوى هذا المربع القيادي فيما بينها، في انتظار توزيع باقي حصتها بالرئاسة والمجلس الوطني، وعلى الأغلب فإن حماس ستواجه مشكلة اختيار مرشحها لرئاسة السلطة، ولرئاسة منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن المؤكد أن «حماس» لا تتقدم بالمسار الانتخابي عبر جولاته، إلا بعد مراجعة كل مرحلة منها، فمثلاً، ما بين إجراء انتخابات التشريعي والرئاسة، هناك شهران، لن يكونا كافيين لتفرض حكومة جديدة وحدانية السلاح على قطاع غزة، بتجريد حماس من قوتها العسكرية، إلا في حال فازت بمنصب رئيس السلطة، وهكذا ستمضي للجولة الثالثة أيضاً، أي أن «حماس» على الأغلب لن تكون صورة عن «فتح»، بمعنى أن يستأثر رجل واحد بالمناصب الثلاثة، رئيس الحركة ورئيس السلطة ورئيس الحكومة ورئيس المنظمة، بما يضمن استمرار حالة التوافق بين أعضاء المربع القيادي، أو بشكل أضيق المثلث القيادي المكون من هنية ومشعل والعاروري.
التوافق الداخلي بين أعضاء قيادة حماس يوفر لها القدرة على الدخول القوي لاستحقاق الانتخابات الوطنية، ربما بشكل أكبر مما هو حال حركة فتح، وحتى على الصعيد الميداني الشعبي، فرغم أنها تحملت وزر الانقسام، وأن شعبيتها في غزة، ليست كبيرة، إلا أن منافستها في الضفة الغربية وحتى في الخارج ليست أفضل حالاً، كذلك ليس هناك من منافسين جديين خارج إطار الحركتين، و»حماس» تعلمت من تجربة السنوات الماضية درساً قاسياً، فهي إن فازت بالأغلبية أو حتى كانت شريكاً أساسياً في حكومة السلطة، لن تظهر الرفض السياسي للنظام الإقليمي وللنظام الدولي، كما فعلت العام 2006، بل ستظهر كحركة تتمتع بالواقعية السياسية، التي ربما تجعل منها وريثاً مناسباً ومقبولاً على الخارج، لأنها ستشارك هذه المرة في أي مفاوضات قد تُجرى بين فلسطين وإسرائيل، وستصر على الشراكة في الدبلوماسية الرسمية، وفي العلاقات السياسية الرسمية الخارجية.
من الواضح أن الانتخابات الفلسطينية، التي ستشغل الكل الوطني بها خلال هذا العام 2021، هي فرصة للنظام الإقليمي حتى يستقر على موقف جامع، بعد اختراقات التطبيع، ولإسرائيل التي قد تجد نفسها في مأزق داخلي مجدداً، إن جاءت انتخابات الكنيست الرابع والعشرين في آذار القادم غير حاسمة، كذلك لإدارة بايدن، حتى لا تكون مطالبة بإطلاق المفاوضات فوراً، وليكون أمامها وقت لترتيب استعدادات الجانبين لمثل هذه العملية.
أياً يكن من أمر، فإن الوضع الداخلي الشعبي سيتنفس الصعداء أخيراً، ذلك أن ضغط الحصار على قطاع غزة، سيخف وقد ينتهي تماماً، بعد تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات التشريعي بصرف النظر عن حجم سيطرتها الأمينة على قطاع غزة بعد تشكيلها، كذلك فإن الشد والتوتر الداخلي سيتراجع كثيراً، خاصة لجهة عدم اتخاذ القرارات المصيرية، الخاصة بالحرب والسلام، من قبل أحد فصيلي المعادلة الداخلية وحده، كذلك فإن مظاهر التمييز على الصعيد المعيشي ستتلاشى بين جناحي الوطن الفلسطيني، والأهم عودة السلطة التشريعية ممثلة بالمجلس التشريعي الثالث والمجلس الوطني للقيام بدورها الرقابي والسلطوي، الكابح لتفرد السلطة التنفيذية، وبعد أن يجري وقف سلسلة الخسائر على الصعيد الوطني لصالح الاحتلال، بعد ذلك يمكن التفكير بإطلاق مسار الأرباح الوطنية، أي بعد صد الهجوم الاحتلالي، يمكن إطلاق هجوم التحرر من الاحتلال، بكل الأشكال والأساليب الممكنة.
هكذا يمكن القول إن فلسطين أيضاً تعيد ترتيب أوراقها على وقع الانقلاب السياسي الحاسم الذي حدث في البيت الأبيض، لكن معركة مواجهة اليمين الإسرائيلي عبر فلسطينيي الداخل ما زالت تحتاج إلى التكتل الفلسطيني الذي كانت عليه جماهير الداخل في انتخابات العام الماضي، والمعركة باتت بين أن يعود بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف أقوى مما كان عليه، أو عرقلته ومنعه من تشكيل حكومة متطرفة تمنح فلسطين وقتاً لالتقاط الأنفاس، وهذا أمر يتوقف على الحركة الإسلامية داخل إسرائيل، وإن كانت ستتخذ موقفاً تاريخياً مسؤولاً أم أنها ستمنح اليمين ورقة الخلاص، وهذا ما أدركه نتنياهو بخطب ود جماهير الداخل على غير ما كان عليه حاله من قبل.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية