من الواضح ان خيارات حماس بشأن استمرار سيطرتها على قطاع غزة تتراوح بين الدخول في الانتخابات والتأسيس لمرحلة جديدة يمكن ان تقود الى انهاء الانقسام، وتسمح للفلسطينيين بتقديم أنفسهم كطرف مؤهل لتنفيذ خيار حل الدولتين. ورغم أفضلية هذا الخيار الا أن المشاركة في الانتخابات قد لا تفضي بالضرورة الى التمكين الكامل للحكومة والانهاء الفوري لتداعيات الانقسام. كما انها ليس بالضرورة كافية وحدها للضغط على الاحتلال لتنفيذ الاتفاقيات دون تدخل أمريكي فاعل، ويبدو هذا الخيار الاكثر قابلية للتحقق في ظل التطورات في المنطقة. اما الخيار الثاني فهو تطوير حالة الانفصال الى صيغة دائمة بغطاء اقليمي وموافقة اسرائيلية، وهو خيار يجهض حل الدولتين ويعفي الاحتلال من أي التزام، ويعفي ادارة بايدن من بذل أي جهد لتحقيق السلام، ويبدو هذا الخيار مستبعداً في ظل الظروف القائمة.

والخيار الثالث استمرار الوضع القائم خارج النظام السياسي الفلسطيني بحالة اللا حرب واللا مفاوضات، واستمرار تلقي المساعدات الشهرية من قطر بما يحفظ استمرار حكم حماس المنفصل لقطاع غزة ويمنع تفاقم الوضع الانساني. ولكن هذا الخيار يخضع للارادتين الامريكية والاسرائيلية من حيث قدرتهما على الضغط على قطر لوقف الدفعات المالية، وقدرة اسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لغزة تنهي حكم حماس. ولكن في المقابل فان ادارة بايدن ستحاول ايجاد مخرج للتعامل مع الاوضاع الانسانية في قطاع غزة ولكن دون التعامل مع حماس. وفي ذات الوقت سترفض شن حرب على غزة او استمرار الحصار، وستبحث عن وسائل بديلة لاستمرار تقديم الدعم المالي القطري لحماس، وذلك عبر السلطة الشرعية لتمويل مشاريع انسانية في قطاع غزة، ومحصلة ذلك ستكون دفع حماس لقبول قواعد اللعبة الجديدة وفق رؤية بايدن وادارته.

قواعد اللعبة الجديدة تتركز حول الخيار الديمقراطي فالسماح لحماس بدخول الانتخابات يعني فتح باب الشرعية امامها، وخلق مسار بديل للوضع القائم، أي حجب التمويل المباشر مقابل فتح باب الشرعية عبر الانتخابات. وسيكون التمويل عبر الحكومة القادمة لتعالج كافة الملفات وفق اتفاقيات المصالحة السابقة وهو ما سيعطي السلطة أفضلية في ادارة المرحلة القادمة والتي ستكون معنية بانهاء الانقسام دون حشر النظام السياسي الفلسطيني في الزاوية من خلال معادلة تضمن شرعنة حماس واستيعابها دون سيطرتها على النظام السياسي الفلسطيني حتى لا يصل الى حالة من الانسداد على المستويين الوطني والدولي.

ستكون السلطة معنية كذلك بعدم تحول العملية الديمقراطية الى ملهاة، فالعملية بحد ذاتها وان كانت ضرورية الا انها تشبه ما حدث في زمن ادارة بوش الابن بتقديم ملف الاصلاح الفلسطيني الداخلي على ملف انهاء الاحتلال واقامة الدولة والذي انتهى في حينه الى سيطرة حماس المسلحة على غزة واستمرار الانقسام ل14 عام. وقد وضعت العملية النظام السياسي الفلسطيني أمام خيارين: الحضور السياسي مقابل الانخراط في عملية ديمقراطية غير جاهز لها قد تودي بما تبقى لديه من استقرار، وتدخله في صراعات جديدةـ، او خيار التجاهل السياسي حال رفض اجراء الانتخابات وما يترتب على ذلك من تجاهل للقضية الفلسطينية وحظوظها في الحضور الدولي كقضية ذات اولوية للأمن والاستقرار الاقليمي الدوليين.

لذلك فان المسؤولية الوطنية تستوجب عدم رفض اجراء الانتخابات حتى لا يتم الدخول في مواجهة مع ادارة بايدن ومنحها ذريعة لتجاهل القضية الفلسطينية بحجة عدم تجديد الشرعيات الفلسطينية. ولكنها تتطلب كذلك معالجة حذرة لواقع النظام الفلسطيني الهش بفعل الانقسام، بتجنب فتح باب الصراعات قبل واثناء وبعد اجراء الانتخابات نتيجة مصالح شخصية او حزبية او حسابات خاطئة مرتبطة بدول اقليمية همها تحقيق اجنداتها في بيئة التنافس والصراع الشرق اوسطية اكثر من احراز تقدم على المسار الفلسطيني. وتحتاج كذلك الى ادارة مدروسة ومتفق عليها، تمنع تعميق الانقسام وتحول دون الوصول بالنظام السياسي لطريق مسدود، وتفضي الى دفع ادارة بايدن الى تكثيف جهدها الدبلوماسي لتحقيق السلام.

لا شك ان تطورات المنطقة تلقي بظلالها على المشهد الفلسطيني، فالمصالحة العربية العربية مؤشر على امكانية تجاوز الانقسام فلسطينياً، كذلك التطورات المرتقبة ضد ايران ومعالجة الملف النووي تؤثر بدورها. فهواجس انظمة التطبيع تجاه ايران وتلقف الاحتلال لها لاحداث تغييرات جيوسياسية هائلة في الاقليم بتحويل العداء معه الى عداء عربي اسرائيلي مشترك ضد ايران باعتبارها العدو المركزي للمنطقة قد تفرض معادلة جديدة على بايدن من جهة وعلى الاحتلال من جهة اخرى. فادارة بايدن مطالبة بدعم التطبيع والاخذ بهواجس الحلف العربي المتبلور تجاه ايران، وهو ما يعني مقاربة جديدة للاتفاق النووي لا تتصادم مع رؤية التحالف الجديد للاتفاق وشروطه والتعديلات المطلوبة فيه بتوسيعه ليشمل برامج الصواريخ، وتدخلات ايران في دول المنطقة. وهذا سيعطي هامش لادارة بايدن المؤيدة لحل لدولتين لممارسة نوع من الضغط على اسرائيل لتنفيذ الاتفاقيات وحجتها ستكون الحفاظ على حالة السلام في المنطقة، وهذا يعطي هامش للفلسطينيين لاعداد انفسهم للمشهد القادم.

وكذلك ستكون اسرائيل مطالبة باحداث انفراجات للشركاء الجدد حفاظاً على التطبيع مقابل قطع الحلوى الجديدة وهي استبعادها كعدو مركزي، واستبداله بايران، ودمجها في نسيج المنطقة وفتح الاسواق العربية، ومبرر الانظمة ان هذه الاتفاقيات لن تصمد ما لم يتحقق تقدم على المسار الفلسطيني والذي يعني استمراره استمرار الصراع في المنطقة عبر توظيفه من قبل جماعات الاسلام السياسي الذي ترى فيه انظمة المنطقة خطرا على استقرار انظمتها، وذريعة لعودة الجماعات الارهابية والفوضى، وبطاقة في يد تركيا وايران. وهذا يجعل الاطراف العربية معنية باعداد الفلسطينيين ودفع قطار العملية السياسية.

اجواء المصالحة في المنطقة تدفع باتجاه تجهيز المنطقة لتشكيل جبهة مضادة لايران، ورفع المقاطعة عن قطر في اطار ضمان موقف غير معارض لاجماع دول التطبيع واسرائيل في مواجهة ايران والذي سيمتد لتامين موقف تركي مؤيد لعزل ايران ظهرت مؤشراته في مواقف تركيا الجديدة من غمز اردوغان بتبعية اراضي داخل ايران لأذربيجان، ومنح حق الدخول للعراقيين الى تركيا دون تاشيرات في منافسة للنفوذ الايراني في العراق، وتحسين العلاقة مع اسرائيل وارسال اشارات عن تحسن العلاقات مع مصر ولو على المستوى الاستخباري.

كانت اسرائيل تطمح لسيناريو أسوأ يضمن التلاعب بالجميع وحشد الجميع ضد الجميع بالدفع نحو الحرب في المنطقة من خلال تسخين الاجواء في المنطقة، والادعاء ان ايران تحضر لانتقام في الذكرى السنوية لاغتيال سليماني، وضرورة الحشد وتوجيه ضربة لها ومعها اغراق بايدن في اطفاء الحرائق وعدم فتح الملف الفلسطيني، وابقاء الوضع كما هو عليه، أي انقسام الامر الواقع، وزيادة حظوظ نتنياهو داخلياً. ولكن المخطط فشل وابتعدت الحرب ودخلت المصالحات في المنطقة ومنها المصالحة الفلسطينية من بوابة الانتخابات التي لا شك سيكون احد اهم شروطها غير المعلنة اعادة تموضع حماس في علاقتها مع ايران فشهيد القدس على حد وصف السيد اسماعيل هنية غادر المشهد ومعه سيغادر اشخاص وستغادرنا مواقف عهدناها في زمنه، وستعود وجوه قديمة من جديد.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد