ثمان وأربعون ساعة تبقت على المهلة الأولى التي يحددها القانون الإسرائيلي بثمانية وعشرين يوما للمكلف تشكيل الحكومة قبل أن يعطيه فرصة أخيرة لأسبوعين إضافيين، في النهاية سينجح نتنياهو بتشكيل حكومة سواء في المهلة الأولى أو حتى إن تم التجديد واضحٌ أنها ستكون على حافة الستين أكثر بواحد أو بسبعة حين ينتهي من الاتفاق مع ليبرمان الحليف السابق الذي تركه الى المرحلة الأخيرة لإذلاله وإنزاله عن شروطه الكبيرة وإدخاله ضعيفا في الحكومة.

هي الحكومة الرابعة والثلاثون لدولة عمرها 67 عاماً أي بمعدل عامين لكل حكومة، وتجري فيها الانتخابات للكنيست كل أربع سنوات، صحيح أن النظام السياسي في إسرائيل يعيد تجديد نفسه كلما مر بأزمة. ولكن السقوط السريع للحكومات وأزمة التشكيل والمفاوضات الائتلافية وطريقة الابتزاز وتغيير قوانين الحكم تعكس كلها أزمة نظام الحكم في إسرائيل والتي استشعرتها الدولة في العقود الأخيرة، وبدأت تبحث عما يضمن استقرار النظام، آخره اللجنة التي شكلها الرئيس الإسرائيلي الأسبق موشيه قصاب عام 2005 والتي ضمت 73 عضوا برئاسة رئيس الجامعة العبرية مناحيم ميغدور وقدمت تقريرها عام 2007 بتوصية تقسيم إسرائيل لـ 17 منطقة انتخابية وتتم الانتخابات بالنظام النصفي 50% للمناطق وكذلك للقوائم.
أزمة النظام في إسرائيل بدأت منذ ما يقرب من أربعة عقود منذ انقلاب انتخابات عام 77 والذي كان نتيجة يأس الشرقيين من حزب العمل المهيمن الذي حكم إسرائيل ثلاثة عقود فتوجهوا لحزب الليكود، لكن الليكود خانهم بالتحالف مع حزب العمل في حكومات الوحدة التي شهدتها إسرائيل خلال ثمانينات القرن الماضي، وكان ذلك إيذانا بتحولات هامة في المجتمع أدت إلى ظهور حزب شاس كممثل للشرقيين وخروج العرب من الأحزاب اليهودية، وقد مهد ذلك للمهاجرين الروس لتشكيل أحزابهم، وهكذا بدأت الأزمة مع كثرة القوائم الصغيرة وازدياد قدرتها على ابتزاز الأحزاب الكبيرة وصعوبة تشكيل الائتلاف وضعف مكانة رئيس الحكومة وغياب الاستقرار.
كلما جرت انتخابات في إسرائيل بسبب ابتزاز الأحزاب الصغيرة يعاد اكتشاف زيادة هذا الابتزاز فور الانتخابات، وهذا ما يمر به نتنياهو وجعل من تشكيل حكومته ليس بالسهولة التي اعتقدها وهو يحتفل بتحويل الليكود إلى حزب مركز بعد حصوله على ثلاثين مقعدا، وما أن بدأت مفاوضات الحكومة حتى اكتشف أنه يحتاج إلى خمسة أحزاب صغيرة بمطالب لا نهاية لها ليست على الوزارات بل على الدوائر ولجان الكنيست والأموال والصلاحيات وكل شيء، ولمن يراقب كيف تسير المفاوضات يرى ساحة حرب حقيقية ومعارك عض أصابع وابتزاز وخاصة أن المعارضة الهائلة لتشكيل حكومة وحدة مع المعسكر الصهيوني داخل الليكود استنفرت ضد الفكرة، هذا يعني أنه لن يكون قادرا على تشكيل حكومة بدون أي من الأحزاب الخمسة باستثناء ليبرمان أي أنه مضطر للاستجابة لكل حزب .
أزمة نظام الحكم بدأت تتضح مع بداية تسعينات القرن الماضي بعد أن شهدت نوعا من الاستقرار في العقود الأربعة الأولى ما بين حكومات العمل وحكومات الوحدة عندما بدأ يتنامى دور ووزن الأحزاب الصغيرة وظهور مصطلح «بيضة القبان». وحينها ساد اعتقاد أن إسرائيل بحاجة إلى نظام تمثيلي يعيد للسلطة التنفيذية هيبتها إلى الدولة استقرارها وإلى رئيس الحكومة قوته أمام تلك الأحزاب فتمخض النقاش عن سن قانون الانتخاب المباشر لرئاسة الحكومة عام 92 ورفع نسبة الحسم من 1% كانت قد تقررت عام 49 بواقع 1.5% وقد جرت انتخابات 96 وفقا لهذه التعديلات.
لكن ذلك لم يؤد للاستقرار أو لنهاية الابتزاز بل ازداد كما رأينا في عهد باراك، ولم تساهم تلك الإصلاحات بتقوية رئيس الحكومة وأن كل الحكومات بعده لم تكمل ولايتها، بل إنها أحدثت تشوها في النظام السياسي الذي أخرج إسرائيل من النظام البرلماني لكنه لم يدخلها إلى قائمة النظم الرئاسية، فأصبح النظام شبه برلماني وشبه رئاسي وبقيت الأزمة تتدحرج إلى أن ألغي الانتخاب المباشر لرئاسة الحكومة عام 2001 ورفعت نسبة الحسم عام 2004 إلى 2% في محاولة جديدة لتحقيق استقرار للنظام السياسي، ثم اكتشف أن الأزمة لا زالت قائمة، وحتى اللحظة ما زال هناك نقاش في إسرائيل حول أفضل نظم الحكم، حاولت لجنة «ميغدور» حل المسألة لكنه بقي اقتراحا.
حتى كتابة هذا المقال يجري الحديث عن تقدم يقترب من الاتفاق مع أحزاب كولانو وشاس ويهدوت هتوراه، فقد اضطر وفد الليكود للمفاوضات لاختراع حلول «خلاقة» كما وصفها مسؤولون في الليكود مثل إرضاء حزب «كولانو» الذي يطالب بالسيطرة على دائرة التخطيط في وزارة الداخلية ونقلها، وهذا ما رفضه «شاس» بدل ذلك تعيين نائب وزير الداخلية من حزب «كولانو» يسيطر على الدائرة، لكن المفاوضات مع البيت اليهودي وليبرمان ما زالت عالقة وإن كان هناك بعض التقدم مع البيت اليهودي بعد الحديث عن تنازله عن وزارة الخارجية شريطة عدم إعطائها لليبرمان، فقد مارس طاقم الليكود قدرا من الذكاء حين تركوا شركاءهم الطبيعيين «بينيت وليبرمان» المعلقين على الشجرة كآخر من يتم التفاوض معهم حتى يقرر الليكود شكل إنزالهم.
لقد بدأ بينيت بالنزول بعد شبه الاتفاق مع الأحزاب الثلاثة الأخرى وترك ليبرمان وحيدا وهو الأضعف في الأحزاب حيث يستطيع نتنياهو تشكيل حكومته دون ليبرمان، ويستطيع الحصول على 61 صوتا تؤهله للإعلان عنها وتقديمها للكنيست وسيبدأ معه مفاوضات على هذا الأساس. حينها لن يكون أمام ليبرمان سوى تلقف أي شيء يعرضه نتنياهو، لقد بدأ ليبرمان فور الانتخابات يطالب بوزارة الدفاع ثم هبط للخارجية ثم تراجعت المفاوضات لتقاسمها مع نفتالي بينيت مناصفة، فكيف ستكون الأمور حين يتم إنهاء المفاوضات مع البيت اليهودي وضمان العدد الذي يحتاجه نتنياهو، وأي شكل للمفاوضات سيكون مع ليبرمان؟
لكن هذه الحكومة التي ستشكل هي أضعف حكومات إسرائيل على الإطلاق وربما أقلها استقرارا. صحيح أن هناك حزب مركز من ربع أعضاء الكنيست، لكن أربعة من الأحزاب الخمسة الشريكة يستطيع أي منها إسقاط الحكومة، وليبرمان الحزب الخامس الوحيد الذي لن يتمكن لحصوله على ستة مقاعد، وإذا كان النقاش في إسرائيل تركز خلال ربع القرن الأخير على كيفية تقوية النظام السياسي ورئيس الحكومة والتخلص من ابتزاز حزب واحد مثل حركة شاس، فإسرائيل تقف أمام حالة أكبر من الابتزاز لم تشهدها أية حكومة سابقة بأربعة أحزاب يؤدي انسحاب أي منها إلى انتخابات مبكرة نتنياهو سيدرك ضعفه في الاجتماع الأول للحكومة، لكن الأزمة ليست أزمة نتنياهو وحزبه، فهي أزمة نظام الحكم في إسرائيل..!
Atallah.akram@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد