أخي الأسير مروان البرغوثي، وأنتم تدخلون عامكم الرابع عشر في غياهب سجون الاحتلال، أود إعلامك بأن رسائلك التي ترسلها من فترة لفترة لم تصل بعد عند من يجب أن يقرؤوها لأسباب كثيرة، منها عدم وجود كينونتك في عقليتهم كونك بالنسبة لهم شبحا غير مرئي، والبعض لا يقرأ أو يكتب، وهناك من يجيد القراءة لكنه لا يفهم لغتك، وهناك من يقرأ ويفهم لغتك لكنه يخاف أن يعلن بأنه استوعب ما كتبت لأنه يريد الحفاظ على ذاته وامتيازاته.
بعيداً عن هؤلاء جميعاً؛ ستجد أغلبية من الجيش الفتحاوي المنسي يمارسون تعليماتك. لهذا هم في عالم النسيان، وربما أكثر من ذلك ليتم وصفهم بالأعداء وكأنهم مرتدون عن دين الله ويكفرون بكتابه، فوجب قتلهم وحصرهم وتطبيق أي شرائع ولوائح تليق بهذا الجرم، فيتم قذفهم بتهم تبدأ بعميل مروراً بفاسد وانتهاءً بمتعاون مع الأميركان. تعلمنا منذ البدايات بأنه عندما تتحدث مع أسير داخل سجون الاحتلال عليك أن ترفع معنوياته وتقوم بشحنه بالطاقة الايجابية، لا أخفيك بأننا أصبحنا نستمد طاقتنا فقط حتى نستمر بالتنفس منكم أنتم الأحرار في السجون، لأننا نحن أصبحنا في سجون داخل سجون وأنتم في داخل المعتقلات وغياهب الزنازين تزودوننا بأنفاسكم التي تشغل رئتنا لنستمر فقط بالحياة.
عزيزي أبا القسام، حالنا الآن أشبه بمن هو داخل دوامة في المحيط، فقدنا كل شيء.. كل شيء بمعنى الكلمة، فقدنا البوصلة.. المجداف..الخارطة.. والأهم نحن الآن بلا سفينة، وهناك من لا يجيد السباحة لكنه يأمر وينهى بحياتنا بدلاً من أن ينقذنا ويوحدنا حتى نواجه الدوامة كشعب واحد، فأصبح الخط الأحمر أشبه بقوس قزح يظهر وقتما يشاء.. ألوان متعددة ليس من أجل النور والجمال بقدر ما يقول نحن هنا ولو برهة من الزمن، ما جعلنا وجبة سريعة الأكل والهضم من قبل أسماك القرش في المحيط، فضعنا بين دوامة وقرش. هناك من اختار الرحيل مبكرا الى عالم جديد ما بين الرحيل مبكراً خارج المحيط، وهناك من اختار الرحيل المدروس بأن باع ذاته كي يستمر في تمجيد القرش والدوامة التي لا تبقي ولا تذر؛ ويوجد من يثابر بكل قوة رغم جميع التيارات المضادة والقرش الجائع من حوله، يثابر بكلمة وحجر بزراعة الخير والحب بين شعبه، ويعمل في وظيفته حتى نستمر في البناء رغم كل الضربات التي يتلقاها.
الواقع تغير بشكل سريع، تجد من معك عليك، ومن يتظاهر بحبك هو عدوك، وعدوك الآن هو من لحمك وعظمك، الغني جائع والجائع صامد بألم، المجتمع تعب ومرهق كأنه أصبح كرة تضربه الأقدام بين مصالح يجهلها ولا يعلم أين المصير. أصبحت الهوية الفلسطينية كلا يحمي ذاته بذاته، ممزقة لا مظلة تحميها كما في الماضي، في مخيم اليرموك نذبح، وفي غزة ما بين انقسام وجوع ودمار جعل شعبنا صامدا في العراء يواجه الحر والبرد بجسده العاري، ونتغنى ب القدس عروس عروبتكم لكنها تقاتل بصمت وحدها فقط من خلال أهلها الصامدين والمرابطين، وهذا هو حال أهلنا بالخليل متمسك بالحجر والشجر ثابت بأرضه ويقاتل وحده فقط وحده بالبلدة القديمة، وجهاً لوجه مع الجندي والمستوطن. والمستوطنات تزداد يوما عن يوم تأكل ما بقي من الجسد الفلسطيني ليواجهها أهل الأرض بكل قوة التي نقف لهم إجلالاً، لكنا مشتتون غير موحدين حتى في مواجهة عدونا، وهذا ما نجح به المحتل بأن جعلنا أفرادا في هذه الدوامة، أصبحنا ملفات، وكل ملف يقاتل وحده من أسير وجريح وقدس ولاجئ واستيطان ومياه.. ملفات تحمل هنا وهناك مشتتة. وحتى على الصعيد الدولي، نعم تم تحقيق إنجازات لكنها غير مترابطة الرؤية والهدف، لتصبح عبارة عن ردود أفعال أكثر من كونها خطة ضمن إستراتيجية تحررية واضحة المعالم والأهداف والأدوات.
وعلى صعيد الأدوات من مجداف وبوصلة وسفينة، تلك الأدوات يستخدمها الأفراد كل حسب رؤيته الخاصة، هل تعرف لماذا يا أبا القسام؟! أصبح في مجتمعنا كم هائل ممن يدعون بأنهم قبطان هذه السفينة، ويتصارعون فيما بينهم يصرفون الجهد والمال ضد بعضهم البعض، تاركين أسماك القرش تمرح وتسرح وتنهشنا وهم يتقاتلون فيما بينهم تاركين شعبهم يغرق يوما عن يوم دون مشاهدة السفينة التي بدأت بالاختفاء تحت الماء. والأخطر من هذا كله بأنهم يحرمون ويحللون ما يريدون، متى يشاؤون في كيفية استخدام تلك الأدوات كل حسب مصالحه فقط لا غير.
في النهاية، أتمنى لك ولجميع الأسرى الحرية القريبة والشفاء العاجل لجرحانا البواسل، وهنا سأقول لمن قد أزعجته كلماتي ما قاله الشهيد الراحل أبو عمار «القضية ليست قضية «أبو عمار» إنما قضية حياة الوطن واستقلاله وكرامة هذا الشعب وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، لن ننحني إلا لله سبحانه وتعالى، كما لن ننحني أمام التهديد والوعيد، فحياتي ليست أغلى من حياة أي طفل فلسطيني، وهي ليست أغلى من حياة الشهيد الطفل فارس عودة، فكلنا فداء للوطن الغالي فلسطين».
للتواصل:
بريد الكتروني mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية