يرتبط اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بواحد من أكثر قرارات الجمعية العامة للأم المتحدة ظلماً لهذا الشعب، بل ربما يمكن القول: إن هذا القرار، والمقصود بالطبع هنا هو قرار التقسيم 181 للعام 1947، هو الذي أعطى شرعية دولية لعملية التهجير والتقتيل بحق الشعب الفلسطيني بعد ذلك بأقل من عام. هذه حقيقة لا بد من تذكرها كلما جاءت تلك الذكرى. ويمكن بلؤم القول: إن الجمعية العامة بعد أن سنّت هذا اليوم بعد مرور قرابة ثلاثة عقود من قرارها الجائر أرادت لنا أن ننسى، أرادت لنا أن نغمض عيوننا عن الجريمة الكبرى التي تم ارتكابها بحق شعبنا، وأرادت للعالم ربما أن يكفر عن جزء من ذنوبه.
ما الذي جرى؟ ببساطة تم سن قرار التقسيم من أجل أن تصبح الدولة اليهودية التي ستقام على أرض فلسطين جزءاً من الإرادة الدولية. القرار الأممي أقر بوجود دولتين أو بوجوب تقسيم البلاد بين سكانها الأصليين وبين المهاجرين من أوروبا، أي الفارين من حروب وويلات أوروبا. ببساطة القرار قال لهم: إن بإمكانهم أن يقيموا دولة على أرض ليست لهم. هذا هو جوهر قرار التقسيم. وهو بعبارة أخرى إعادة ترجمة وصياغة لوعد بلفور المشؤوم، أو هو تطوير له. فالوعد اللعين قال: إن ثمة حاجة لوجود وطني قومي لليهود في فلسطين، وجاء قرار التقسيم حتى يقول: إن هذا الوطن يجب أن يقام في تلك المساحة من أراضي الفلسطينيين ويسمح لهم بإقامة دولتهم الخاصة. وعليه فقرار التقسيم هو المرحلة الثانية من وعد بلفور، وهو خطوته الإجرائية القانونية. فالوعد صدر عن الدولة الانتدابية على فلسطين، أما قرار التقسيم فصدر عن أعلى هيئة دولية وتم ذلك بدواعي حفظ السلام والأمن الدوليين. أي مفارقة تلك حين يسرقون بيتك ويطلبون منك أن تحتفل معهم. هذا هو ما حدث. في نهاية المطاف تم تمكين المستوطنين الأغراب من نهب البلاد وقتل أهلها وطردهم وسرقة بيوتهم وإعلان دولتهم، فيما ظل أهل البلاد الحقيقيين بلا مأوى ومن بقي منهم في بيته كان عليه أن يعيش تحت خوف ورعب استمر حتى اللحظة، وفي أحسن الأحوال عليه أن يقبل أن يكون مواطناً من الدرجة العاشرة. هذا يلخص مجمل ما جرى من حيث النتيجة. بل إن العالم بعد أقل ما عامين قام بالاعتراف بدولة اليهود فيما ظل الشعب الفلسطيني حتى اللحظة يكافح ويقاتل ببسالة ويتحمل كل الآلام والمعاناة من أجل أن يعترف العالم بحقه في دولة. فبدلاً من أن يكفّر العالم عن سيئاته وبدلاً من أن يعتذر ما زال يتمنع عن الاعتراف بدولة لنا وهم الذين ساعدوا من سرقوا البلاد وطرودنا منها. هكذا فإن أبشع ما حدث للشعب الفلسطيني تم بقرار أممي، وإن علينا ألا نعفي العالم من واجباته تجاهنا.
نعم عليهم أن يشعروا بالندم والأسى، وعليهم ألا يتوقفوا عن الشعور بتأنيب الضمير، لأن الجريمة النكراء التي حدثت لا يمكن غفرانها أمام صمتهم على ما تم ويتم بحقنا من جرائم ومذابح. يمكن أن نفهم أن ما تم خطأ تاريخي، وجريمة تمت في لحظة تاريخية، أما أن تعاند تلك الدول وترفض الاعتراف بحقنا في دولة فتلك جريمة أخرى. هكذا فإن مطالبتنا بحقوقنا لا تعني أننا نتنكر لكل المواقف النبيلة التي صدرت عن الكثير من المنظمات والأفراد والدول. ولكن أظن أن الدول التي كانت أعضاء في الجمعية العامة وصوتت إلى جانب قرار التقسيم يجب مقاضاتها إذا لم تعترف بدولة فلسطين، وأظن أن جل الدول التي وقفت مع قرار التقسيم، وبالتالي ساعدت على قتلنا وتهجيرنا، هي ذات الدول التي ترفض الاعتراف بدولة فلسطين وتصر على ربط هذا الاعتراف بالتوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل. أي صفاقة تلك؟! وأي تطاول على الأخلاق والقيم الإنسانية؟! يصوتون لتقسيم بلادنا مع الأغيار ويعترفون بدولة الأغيار الغرباء، ثم يرفضون حتى الاعتراف بحقنا في دولة على ما تبقى لنا من أرض الآباء والأجداد. هذا لا يعني إلا شيئاً واحداً أن تلك الدولة مع سبق الإصرار والترصد تعمل منذ ثلاثة وسبعين عاماً على انتهاك حقوقنا، وأظن أنه علينا أو نحن نمتلك الحق بمقاضاتها.
فمن يوافق على تقسيم بلادك بقرار أممي، وبالتالي يعطي شرعية لكل الجرائم التي تم ارتكابها بحقك خلال مذابح النكبة ، ومن ثم يوافق على عضوية إسرائيل في الجمعية العامة ويقبل بالقاتل عضواً في مجتمع الأمم، ثم يصر على رفض عضويتك والاعتراف بك في دولته، فهو بكل بساطة يقول: إن مقصده من وراء تقسيم بلادك ليس حل الصراع، بل تأجيجه. أظن، والظن من باب الجزم إذا جاز، أنه علينا أن نتوجه للمحاكم المحلية في تلك البلدان من أجل إجبارها على الاعتراف بدولة فلسطين. هناك من هو مدين لنا بالاعتذار وتقديم التعويض عن طيشه السياسي بتقسيم بلادنا.
يمكن لهم أن يتذرعوا بالواقعية السياسية وبأن التاريخ يمضي للأمام، ولكن من قال إن عليّ أن أدفع فاتورة هذه الأخطاء. إن تصويب الخطأ التاريخي ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني لا يتم إلا باستعادة كافة حقوقه، وإن العالم مدين لنا بذلك. وعليه، ومع تقديرنا لكل من ساندنا من الأحرار خلال مسيرة كفاح شعبنا وضحى من أجل حرية بلادنا، فإن هذا اليوم يجب أن يشكل لحظة نعيد فيها التفكير في طبيعة علاقتنا مع المجتمع الدولي، حيث إن صاحب الحق لا ينتظر الصدقة من أحد، وإن تضامن العالم معنا هو القليل من لحظة ندم مطلوبة، لكن المطلوب أكثر هو العمل على تصويب الخطأ.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية