بقلم الباحث في الشئون السياسة/ د. رائد نجم

بعد مرور 75 عام على تأسيس منظمة الامم المتحدة، ما زالت هذه المنظمة تسجل فشلاً مستمراً في تحقيق الامن والسلام التي تأسست من أجل تحقيقهما. فما زالت اجهزة هذه المنظمة من مجلس امن وجمعية عمومية عاجزة عن تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، واكتفت بدور شاهد الزور بل والشريك في تجريد الشعب الفلسطيني من ارضه واملاكه وحقوقه الاصيلة.

بدأ مشوار المنظمة الاممية مع الشعب الفلسطيني عندما منحت المنظمة بقرارها رقم 181 في نوفمبر 1947 الشرعية والغطاء للصهاينة لاحتلال فلسطين من خلال تخصيص 55 في المائة من فلسطين للصهاينة دون حق، و 45 في المائة للفلسطينيين أصحاب الارض، ومارست الولايات المتحدة ضغوطًا على الدول التي كانت تنوي التصويت ضد القرار أو الامتناع عن التصويت. ومع وقوع النكبة واحتلال فلسطين وقفت المنظمة عاجزة امام استيلاء الصهاينة على 78 في المائة من فلسطين وتهجير 750 ألف فلسطيني.

اعتمدت منظمة الامم المتحدة في ديسمبر 1948 القرار 194 الذي دعا إلى إعادة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم عن خسائرهم، ولكنها عجزت حتى اليوم عن تنفيذ القرار، رغم أن عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة كانت مشروطة بتنفيذها للقرارين 181 و 194، وبدلا من تحقيق العودة أنشأت في أواخر عام 1949 وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وكان القصد استيعابهم في نهاية المطاف في البلاد التي لجأوا إليها. ولم يحدث ذلك لأن الفلسطينيين بقوا يصرون على العودة، وتقرير المصير.

حلت النكسة على الشعب الفلسطيني في يونيو 1967، عندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ، وأصبحت الـ22 في المائة المتبقية من فلسطين تحت الاحتلال. ووقفت منظمة الامم المتحدة مرة أخرى عاجزة عن التعامل مع اثر النكسة، ولم تمارس أي ضغوط على إسرائيل كقوة احتلال لسحب قواتها وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية رغم تبني مجلس الامن القرار 242 في نوفمبر 1967، الذي أكد مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، ودعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب.

وقد وقفت الامم المتحدة ضد الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وتبنت قرار في هذا الصدد، ولكنها لم تفعل شيء لتنفيذ قراراتها تاركة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال. وعندما توجهت السلطة الفلسطينية الى الامم المتحدة لاستصدار قرار يدين صفقة القرن لم تتمكن من استصدار قرار يدين الانتهاك الامريكي للقانون الدولي بسبب الضغط الامريكي.

لم يكن الامر أفضل حالاً مع الجامعة العربية، فقد كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في الجامعة الدول العربية عند تأسيسها في العام 1945، ولكنها فشلت في حلها، وأرسلت الجيوش إلى فلسطين للمشاركة في الدفاع عن فلسطين في نكبة 1948 إلا أن محاولتها منع تقسيم فلسطين باءت بالفشل. واعترفت الجامعة العربية بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني عام 1964 وقبلتها عضواً في الجامعة، وبذلك ثبتت مكانة القضية عربياً، الا انها خففت الضغوط عن النظام الرسمي العربي في معالجة القضية الفلسطينية .

وبعد نكسة 1967 التي احتل فيها القطاع والضفة والقدس بمقدساتها الاسلامية والمسيحية، بدأ الخطاب السياسي للجامعة العربية، يؤكد على ضرورة إنهاء الاحتلال بما في ذلك القدس الشرقية، وصدرت قرارات هامة بشأن القدس ولكن دون تنفيذ. ثم انتقل الخطاب العربي الرسمي بعد عام 1973 للحديث عن إمكانية تحقيق السلام، في مقابل انسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية. وظلت القضية حاضرة في بيانات الجامعة الختامية دون افعال.

وفي بيروت واستكمالاً لتراجع قدرة الجامعة على الفعل والتأثير والضغط لاستكمال مسار السلام الذي نشأ بعد مؤتمر مدريد وفق مبدأ الارض مقابل السلام، تبنت الجامعة في قمة بيروت عام 2002 المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها السعودية والتي تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من الجولان المحتل، مقابل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، الا ان الجامعة عجزت عن تنفيذها.

المفارقة الجديدة ان سيناريو اعاقة الولايات المتحدة للجهود الفلسطينية لاستصدار ادانة دولية لصفقة القرن في الامم المتحدة، قد تكرر مع جامعة الدول العربية عندما طالبت السلطة الدول العربية بإدانة التطبيع الاماراتي واحترام المبادرة العربية، وتعهدات الدول الاعضاء في الجامعة، واحترام القانون الدولي الذي يجرم الاستيلاء على اراضي الغير بالقوة والذي اخترقته الامارات بالتطبيع مع بقاء الاراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، ولكن طلب الادانة الفلسطيني قوبل بامتناع الجامعة العربية عن ادانة التطبيع الاماراتي، ولم تقف الامور عند هذا الحد بل تصدر الامين العام للجامعة احمد ابو الغيط المشهد للدفاع عن التطبيع قائلاً بان علاقات الدول شأن سيادي.

صحيح ان الدول تمارس السيادة في علاقاتها، ولكن في حالة الامارات ولاحقاً البحرين هناك تعارض بين ممارسة السيادة والتزاماتهما في الجامعة العربية تجاه القضية الفلسطينية، وموافقتهما على تبني الجامعة العربية بكافة اعضائها للمبادرة العربية كشرط يسبق توقيع اتفاقيات سلام مع اسرائيل. كان الاولى ان تنسحبا من الجامعة وتوقعان ما تشاءان من اتفاقيات. ولكن التناقض الأبرز كان انبراء ابو الغيط للدفاع عن انتهاكهما لميثاق الجامعة وللإجماع العربي، ولتعهداتهما، وللقانون الدولي.

لقد كان هذا الدفاع عن التطبيع من قبل الامين العام، الذي يفترض ان يكون الحارس الامين على المصالح العربية، بمثابة نكسة ثانية تجرد الفلسطينيين من 33% من مساحة الضفة، وتحرمهم من السيادة على مدينة القدس، ومن حقهم في دولة على حدود 1967، وتخلى عن مبدأ الأرض مقابل السلام، وقبول لأساس تفاوضي جديد وهو صفقة القرن الذي قبلته دول التطبيع كأساس للتطبيع، وانتهاك لميثاق الجامعة الذي يملي عليه رفع الشرعية عن أي اجراء لعضو من اعضاء الجامعة يتعارض مع مواثيق الجامعة والتزاماتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد