من أصعب الأسئلة التي يواجها مسئولي السلطة الفلسطينية في هذه الأيام، بعد أن وقعت دول عربية جديدة اتفاقيات سلام مع اسرائيل، فقد تم الالتفاف على مبادرة السلام العربية وبدأت موجات التطبيع العربي الاسرائيلي برعاية امريكية على مرأى ومسمع القيادة الفلسطينية في رام الله ، وتحجرت فرص تحقيق دولة فلسطينية، وتوقفت عجلة المفاوضات منذ زمن، في وقت لا تزال فيه قيادة السلطة الفلسطينية تُدافع عن تمسكها باتفاق أوسلو الذي عطلته اسرائيل وسخرته لمصالحها الأمنية وخدمة الأجندة الاستيطانية.

تحلم السلطة الفلسطينية بضرورة فشل صفقة القرن ، من خلال استمرار تصريحات قياداتها برفضها، ولكن أن يتم احراج الادارة الامريكية من السلطة باتت فكرة لا تقبل التصديق، لأننا نرفض صفقة القرن ونرفض المصالحة ونرفض أي شيء، لأننا متفقين على تغليب المصالح الحزبية الضيقة بين حركتي فتح و حماس ، وهو ما يجعل من المصالحة بعيدة المنال، وان كانت لقاءات التقارب وعقد لقاء الأمناء العامين لا يعدو كونة جزء من حالة الانقسام واستعراض البرامج السياسي للأحزاب الفلسطينية أمام شاشات التلفزيون، وهذا مما لا شك فيه قد ساعد المتربصين على تنفيذ الأجندات العالمية وأفكار الصهيونية العالمية، ويساهم في تغول شهوة الاحتلال الإسرائيلي على المزيد من مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية، والمزيد من الحصار وإدارة أزمات قطاع غزة ، وذلك من خلال تأزيم غزة، بتعظيم قوة حركة حماس في القطاع، وتنفيذ سياسات إسرائيل بالسماح بتدفق المال القطري للقطاع لضمان استمرار حالة الانقسام الفلسطيني، واستمرار الوضع الراهن في القطاع، وذلك خدمة لصالح التغيرات الكُبرى في المنطقة العربية بشكل عام وعلى وجه الخصوص فلسطينياً، وتقزيم الضفة الغربية، وجعلها تلهثُ خلف مشاريع الحفاظ على نفسها، وانتظار رئيس وزراء إسرائيلي يُؤمن بالمفاوضات والسلام كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة.

حالة العُزلة السياسية التي تعيشها السلطة الفلسطينية كبيرة جداً، بعدما تحول المسار الإسرائيلي من البحث عن حلول للقضية الفلسطينية على حساب التقارب مع بعض الدول العربية وعقد اتفاقيات سلام، وتضخيم الأزمة مع إيران على أنها أولوية دولية للصراع في الشرق الأوسط.

خسرت السلطة الفلسطينية جميع معاركها الدولية، ولم تَعد تمثل الفلسطينيين في الداخل والخارج، وتقوقع مجال عملها في الضفة الغربية، المُهددة بالضم، لأن مكامن الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية ولقيام دولة الفلسطينية ولمبدأ حل الدولتين قد تقلص أمام تحديات متعددة أبرزها العلاقات الفلسطينية العربية المتراخية، والتي أسس لها الانقسام الفلسطيني، فقد تمحور عمل السلطة الفعلية في غزة والضفة الغربية على جمع الضرائب وصرف الرواتب، ومناكفات سياسية داخلية، وخسرت امتدادها الشعبي وعمقها العربي.

الشقاق الفلسطيني أوصد الباب أمام السلطة الفلسطينية وجعلها تُصارع لوحدها على مفترقات الطُرق المؤدية للعواصم العربية، لذا عليها إعادة النظر في وجودها، هل أصبحت أداة سياسية وأمنية في يد الاحتلال الإسرائيلي لها دور وظيفي في حماية المستوطنين والامن ومحاربة قوى المقاومة الفلسطينية والتنكيل بالمعارضين لسياستها في مُدن الضفة الغربية؟ العديد من الأسئلة مطروحة على طاولة الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول أداء السلطة في السنوات الأخيرة وخاصة بعد اعلان القدس عاصمة لإسرائيل ووقف تمويل وكالة الغوث، والاعلان عن صفقة القرن، واعلان دول عربية عن اقامة علاقات مع اسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.

أخيراً تخوض السلطة الفلسطينية معركة صراع وجودها من عدمه في ترجمة التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بتنفيذ صفقة القرن، بعدم قطع العلاقات وعدم تحقيق رؤية الانفكاك الاقتصادي الفلسطيني عن نظيره الإسرائيلي، وتعميق العلاقات الممتدة في التنسيق الأمني، وعدم الانصياع لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بقطع تلك العلاقات، فلا زالت قيادات وازنه في السلطة الفلسطينية تعيش تحت تأثير الصدمة، في عدم قدرة أمريكا وإسرائيل في التخلي عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك تحقيقاً لرغبات النُخب السياسية المُستفيدة من حالة الانقسام الفلسطيني أولاً ووجود الاحتلال الإسرائيلي ثانياً، كأداة لصناعة البيروقراطية في صفوف مسؤولي السلطة الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد