حتى الآن، لا تتمتع اليمن بثروات طبيعية نفطية أو غازية أو موارد زراعية وصناعية تشكّل سبباً لتشكيل التحالف السعودي للتحرك في اليمن بذريعة مواجهة الخطر الإيراني، لم تكن هناك في الواقع أيّ أطماع سعودية/ إماراتية بثروات اليمن الطبيعية، بل إن موقع اليمن الاستراتيجي والسيطرة على المنافذ الجنوبية للبحر الأحمر وخليج عدن، وأهم ممر يربط البحر الأحمر بالبحر العربي، وهو باب المندب، الذي يشرف على أحد أهم الطرق الدولية التي تصل شرق العالم بغربه والذي بدونه تصبح إحدى أهم القنوات المائية التجارية الدولية لا قيمة لها وهي قناة السويس، الدافع الأساسي وراء التحرك في اليمن.
وإذا كان التحرك على الأرض اليمنية قد بدأ بمواجهة مع الحوثيين إلّا أن ما حدث في السنة الأخيرة كشف كيف ركّزت قوات دولة الإمارات كل جهودها العسكرية والأمنية للسيطرة على مناطق مختلفة بالقرب من المنفذ الشرقي لباب المندب، وليس بعيدًا عن هذه المناطق والجزر البوابة الجنوبية لهذا الممر المائي وهي جزيرة سقطرى، بعد أن كانت أبو ظبي قد سيطرت بشكلٍ ما على الضفة الغربية لباب المندب بعد توقيعها على معاهدة عسكرية مع دولة أرتيريا قبل خمسة أعوام تمنحها منفذًا مطلاً ومشرفًا على جنوب البحر الأحمر وخاصة باب المندب.
لهذا نعتقد أن الاحتكاك العسكري الوحيد الذي كان ممكنًا بين الإمارات وإسرائيل هو على سواحل وموانئ أرتيريا بعد أن تمكّنت هذه الأخيرة ومنذ بضع سنوات من عقد اتفاقيات عسكرية واستراتيجية مع كلٍ من جيبوتي وأثيوبيا وأرتيريا، في الوقت الذي كانت فيه هناك مواطئ قدم لدولة الإمارات في هذه الدول، ما أتاح لإسرائيل إقامة قواعد عسكرية فيها تشكّل ميدانًا لأنشطة غواصاتها وسفنها وزوارقها الحربية، إلّا أنّ مثل هذا الاحتكاك لم يحدث، بل إنّ تطورات الأسابيع الأخيرة تشير إلى المزيد من التعاون بين أبو ظبي وتل أبيب للسيطرة على باب المندب بضفتيه الشرقية والغربية، إضافة الى السيطرة على بوابته الجنوبية في أرخبيل سقطرى في محاولة منهما للإخلال بميزان القوى بينهما وبين إيران التي تسيطر على مضيق هرمز البوابة الجنوبية للخليج العربي.
وإذا كان من الواضح أهمية السيطرة الإسرائيلية على باب المندب بضفتيه وبوابته لأسباب عسكرية أمنية مؤكّدة، إلّا أنّ هناك فوائد ومزايا إسرائيلية هائلة من خلال هذه السيطرة، استثمارية واقتصادية على وجه الخصوص. فوفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الإسرائيلي فإن هناك بضائع قيمتها 15 مليار دولار تمر من وإلى إسرائيل من خلال هذا المضيق، وهذا يعني أن 18% من واردات إسرائيل و5% من صادراتها تعبر من خلاله، لذلك فإن إسرائيل لا يمكن أن تتهاون في ظل أي ظرفٍ من الظروف بعدم السيطرة على هذا الممر الاستراتيجي.
في أوائل آب 2016، كان أول إعلان إسرائيلي عن ضرورة السيطرة على باب المندب، بعد أن كانت تكتفي بالسماح لإسرائيل باستخدام هذا الممر وفقًا للقوانين الدولية لعبور تجارتها، وذلك بعد أن أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في حفل تخريج دورة ضباط بحرية بأن إسرائيل تعمل على أن تنضم إلى تحالف دولي ضد إيران للسيطرة على باب المندب خشية من احتلال إيراني له حسب زعمه، وهنا يمكن ملاحظة أن الجهود الإماراتية للسيطرة على عدة مناطق ساحلية وجزر عديدة، سواء بطرق مباشرة أو من خلال أعوانها في المجلس الانفصالي الانتقالي اليمني في الأشهر الأخيرة، وتزامن هذه الجهود مع التوقيع على ما يُسمى معاهدة سلام مع إسرائيل، ما يُشير بشكلٍ لا يقبل التأويل على تعاون إماراتي/ إسرائيلي للسيطرة المطلقة على ضفتي باب المندب وبوابته الجنوبية، وما يعزّز هذا التعاون الكشف مؤخرًا عن أول مناورة بحرية بينهما تنطلق من جزيرة سقطرى إلى باب المندب مروراً بالسواحل الجنوبية الغربية لليمن، بعد أن تمكّنت إسرائيل من تجهيز غرفة عمليات عسكرية مزوّدة بأجهزة تجسس ومراقبة حديثة، إضافة إلى قواتها البحرية التي تعتمد على سلاح الغواصات بالدرجة الأولى، إضافة إلى قواعدها المنتشرة في أثيوبيا وجيبوتي وأرتيريا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية