في 17 ديسمبر 1992م قامت قوات الاحتلال الصهيوني ولأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني، باتخاذ قرار بإبعاد 418 عنصرا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي دفعة واحدة الي لبنان، وذلك كرد هستيري على قيام الجناح العسكري لحركة حماس بتنفيذ عملية أسر لأحد الجنود الصهاينة بذكرى انطلاقة الحركة، وقد طالبت كتائب القسام وقتذاك بالإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وعلى رأسهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين ، وقد أمهل القسام حكومة الاحتلال التي كان يرأسها أسحاق رابين تسع ساعات فقط لتنفيذ مطالب الحركة وإلا فسيقتل الجندي.


تلكأ العدو كعادته في التنفيذ، فما كان من القسام إلا ان نفذ وعيده كعادته ايضاً، وفي إثر ذلك اجتمع المجلس الوزاري المصغر للعدو واتخذ قرار الابعاد.


رفض المبعدون الخضوع لقرار العدو بتنفيذ الابعاد، وخيموا في قرية مرج الزهور اللبنانية على حدود الوطن في (المنطقة الحرام آنذاك) بين لبنان وفلسطين، واستمر رباطهم نحو سنتين من الزمن حتى علت إرادتهم على إرادة الاحتلال وعادوا رغم أنفه للوطن، ولأول مرة أيضا في تاريخ الصراع.


كان إسماعيل هنية واحدا من المبعدين الي مرج الزهور من ضمن ال 418 مبعدا، وعرف بطلته الي جانب الناطق باسم المبعدين وقائد الحركة بعد ذلك الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، حيث كان إسماعيل هنية أحد القيادات الشابة الواعدة للحركة وقد خاض تجربة الابعاد كما خاض تجربة الاعتقال لدى العدو وقبل ذلك تجربة العمل النقابي الحركي كرئيس لمجلس الطلاب بالجامعة الإسلامية، فصقلت هذه التجارب شخصيته وانضجت قدراته القيادية وكونت الكاريزما القيادية التي يتمتع بها، وخلقت منه قائدا لحركة حماس في أدق وأخطر منعطفات القضية الفلسطينية.
اليوم في 2020م وبعد 28 عاما يعود السيد/ إسماعيل هنية إلي لبنان ولكن بطريقة أخرى وحالة اخري، يعود إسماعيل هنية الي لبنان وقد تغيرت كثيرا الأحوال السياسية والعسكرية والأمنية للمقاومة، ليستقبل بهذه الحفاوة الشعبية البالغة من سكان مخيم عين الحلوة محمولا على الأكتاف بين أزقته.


مخيم عين الحلوة مخيم اللاجئين الفلسطينيين الأكبر في لبنان أعطى البيعة لقائد المقاومة، وقد وجد فيه زعيما يحمل همهم ويعبر عن طموحاتهم وآمالهم، وذلك ليس غريبا فإسماعيل هنية لاجئ مثلهم، ويعيش في مخيم الشاطئ مثلهم، وعاش مآسي النكبة والنكسة مثلهم، وتهفو روحه للعودة كلما أشرقت الشمس على فلسطين ويرقب غيابها ويقسم على العودة وينام ليله حالما بالعودة مثلهم، إنه منهم وهم منه، ولذلك كان هذا الاستقبال الذي يعبر عن العلاقة الروحية بين أهل المخيم وقائدهم رغم تباعد الأجساد والمسافات، يعود إسماعيل هنية اليوم الي لبنان وهو يحمل مسؤولية وأمانة المقاومة وعهد الشهداء وقسم الاسري، يعود اليوم الي لبنان ومن خلفه آلاف البنادق وآلاف الرجال وآلاف الصواريخ على أتم الجهوزية لإثخان العدو في كل أماكن وجوده بإشارة منه، يعود اليوم الي لبنان ليروي قصة 28 عاما من تاريخ المقاومة ما بين سجن وشهادة ومطاردة وصراع أدمغة مع الاحتلال وعمل سياسي وقيادة مرحلة.


ما بين عام 1992 وحتى العام 2020 لم تتوقف محاولة العدو عن النيل من المقاومة ولكنها كعادتها كانت تخرج بعد كل محنة وأشد بأساً وأكثر قوة.


أراد العدو عام 1992 أن يضرب المقاومة في مقتل، وها هي اليوم في عام 2020 بقيادة إسماعيل هنية كالجبل الاشم الذي لا يطاوله الا السحاب، يحسب لقرارها العدو ألف حساب، وقد صاغت منظومة ردع للاحتلال هي الأولى في تاريخ الثورة الفلسطينية. 


ثمانية وعشرون عاما مرت على عودة المبعدين من لبنان ليعبروا الى الوطن بعد ان داسوا جبروت الاحتلال فصنعوا تاريخا مشرقا من المجد الذي صاغته دماء القادة والجنود، وسيعود قائد المقاومة من لبنان الي الوطن في العودة الثانية ليسقط المؤامرة الكبرى على فلسطين، فلم تصمد فلسطين إلا برجالها، ولم تسقط المؤامرات إلا بوعي قادتها، واليوم ترنو أبصار الفلسطينيين في الشتات والداخل الى قيادة المقاومة وترى فيها عنوان المرحلة، وللجماهير حدسها وفراستها والمقاومة لم تخذل شعبها يوما، وهي مدعوة اليوم لأخذ زمام المبادرة لتصويب المسار وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية عربيا ودوليا، وذلك بعد ترتيب البيت الفلسطيني وفقا لإرادة الشعب الفلسطيني الحرة والصادقة، وسيعبر شعبنا هذه المرحلة، وسيكون أقرب لفلسطين من أي وقت مضى رغم ما في الأفق من ضباب مصطنع يحجب لحين ضوء فجرنا القادم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد