كلما جلست إلى نفسي وفكرت فيما سأكتبه، وجدت أن هناك الكثير الكثير ليقال، ولكن يبقى السؤال: هل هناك من يسمع؟ وإذا كان هناك من يسمع ويعقل أيضاً، فهل هناك من يطبق؟
إن المفكر والمثقف والمبدع، والذي هو أول من يقاوم وآخر من ينكسر كما يقول الشقاقي رحمه الله، ويتمثل دوره في إذكاء العقول والعمل على تنويرها وتبصيرها بجادة الصواب، صار مرهوناً لولي النعمة، بل زيادة على ذلك تحول من منظر للفكرة إلى منظر للسلطة، وتحول من ثائر يسعى لتحرير العقول من براثن التبعية إلى مجرد شخص بيروقراطي يسعى للحصول على امتيازات الطبقة الأرستوقراطية، وهو يداهن بذلك الحكام من أجل الوصول إلى تلك الغاية، التي جعلت منه مجرد حجر دومينو في رقعة الشطرنج.
والمتابع للمشهد الثقافي العربي، سيكتشف كم هو محزن الوصول إلى تلك الحالة الواهنة التي وصل إليها من يعتقدون بأنهم وحدهم المثقفين والمفكرين، وما سواهم مجرد مستثقفين لمجرد أنهم يخالفون طواغيت كثير من الأنظمة الفاشية التي تبسط يدها على مقدرات الأمة منذ عقود. بل وزيادة على ذلك يشن من يعتقدون بأنهم مثقفين أو مفكرين أو حتى مؤرخين على من يخالف هوى تلك الأنظمة حتى ضجت بوجوههم محطات التلفزة والإذاعات التي تتغنى بأمجاد الزعماء. متناسين رسالتهم السامية التي كان مناط بهم أن يؤدوها كمن سبقهم من أرسطو وصولاً إلى ابن رشد إلى مفكري الحداثة اليوم كمالك بن نبي وآخرين. وهؤلاء أنفسهم هم الذين تتغير وجوههم مع تغير الأنظمة وموت بعض الحكام.
وإن معسكر هؤلاء المثقفين يعادي كل ما يخالف رأي الزعيم، مشككين بحرية وديمقراطية من يسعون لصناعة الديمقراطية الحقيقية. وإن من المخجل أن تجد هؤلاء يطبلون لهذا المفكر ثم ينقلبون عليه بعد فترة لأنه أعلن ولاءه للثائرين من أجل نيل الحرية.
للأسف، هؤلاء مع الحرية والديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي الذي يتفق مع آرائهم ورأي ولي نعمتهم الذي يسول لهم ان يقولوا ما يريد. أما ما يخالفهم من مواقف وآراء فإنها آراء خائنة ومشكك في وطنيتها، لذلك وجب قمعها –حسب رأيهم- حتى لا تسقط أشرعة الديمقراطية المفترضة، كما يجري حالياً في بعض البلدان العربية.
ولقد نسي أو تناسى هؤلاء ما قاله فولتير ذات يوم من أنه على استعداد من أن يقدم روحه من أجل أن يسمح لمن يخالفه في الرأي من أن يعبر عن رأيه. وقوله:" ما رأيت شيئاً يسوق الناس إلى الحرية مثل الطغيان".
ولذلك، فإن الديمقراطية ليست على مقاس هؤلاء الذين تضج بوجوههم الفضائيات ليل نهار، مهما اتفقنا أو اختلفنا معهم، وإنما من يقبلون بالرأي والراي الآخر ويسعون لتعزيزه، لا أن ينقلبوا عليه مشككين من أنه قد لا يمارس الديمقراطية فيما بعد. وهؤلاء حتماً سيلفظهم التاريخ وسيبقى الأحرار.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية