طلب المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) أن أقدم تعقيباً على ورقة بعنوان: مستقبل قطاع غزة في ضوء صفقة ترامب- نتانياهو، للدكتور عماد أبو رحمة، حيث تناولت ورقته القيّمة ثلاثة سيناريوهات للمشهد وهي: بقاء الوضع على ما هو عليه – الوحدة الوطنية – الانفصال عن الضفة الغربية، ورغم حالة الجدل العلمي الذي صاحب الورشة من المعقبين والضيوف حول السيناريو الأكثر ترجيحاً والذي كان يميل باتجاه الخيار الأول، بينما عزز كاتب الورقة سيناريو الانفصال، وبرز سيناريو الوحدة الوطنية كأمنية ينتظرها جميع المشاركين، ولكنها للأسف مازالت بعيدة، لم ينجح نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، ولا صفقة القرن ، ولا حتى ال كورونا من انجازها، بل لم تحرك جثث الشهداء والجرحى في أكثر من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة.
حيث بات المواطن الفلسطيني يؤمن بوجود علاقة طردية تربط بين أهمية المصالحة والفشل في تنفيذها، فالكل الوطني مدرك بأهمية المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية في مواجهة المشروع الصهيو أمريكي المتمثل في صفقة القرن وخطة الضم وفي نفس الوقت الجميع متشائم في انجازها، وهذا يعود لاعتبارات عديدة لعل أهمها: أن المصالحة لم تعد خياراً فلسطينياً مجرداً بل تتدخل فيها أطراف اقليمية ودولية بالإضافة للاحتلال الصهيوني. وأن جماعات المصالح تلعب دوراً كبيراً في إفشالها وفي زيادة أزمة الثقة بين الأطراف الفلسطينية.
نعود للسيناريوهات الثلاثة، فالأول من وجهة نظري هو الأكثر ترجيحاً والمتمثل في بقاء الواقع كما هو عليه، ولكن عن أي واقع نتحدث...؟ عن نسبة الفقر أم البطالة في قطاع غزة، أم نتحدث عن الاستيطان والتيه السياسي والفجوة بين القواعد الشعبية والقيادة في الضفة الغربية إلخ...
بينما سيناريو الانفصال فهو خطير على المشروع الوطني الفلسطيني الذي يعمل الشعب الفلسطيني من عقود على تحقيقه والمتمثل في التحرير والعودة.
أما السيناريو الثاني والمتمثل في الوحدة الوطنية وهو الأضعف من بين السيناريوهات ولكنه الأمثل والأفضل للقضية الفلسطينية ككل، وهنا يقع على عاتقنا كمثقفين أن نعمل ونبحث على وضع رؤى وأفكار أمام صانع القرار لتعزيز هذا السيناريو بطرق غير تقليدية ولا تكرر حالة الفشل السابق، وتراعي الأرضية التي نقف عليها الآن، وعليه أطرح أهم الخيارات وهو خيار الفيدرالية.
لقد طرحت شخصياً هذا الخيار عام 2010 في مقال كتبته بعنوان: " الحل الأمثل" وأقتبس من المقال ما يلي: "إن الواقع الفلسطيني يتطلب حواراً جاداً يفرز نظاماً سياسياً جديداً يقوم على الفيدرالية كحل مؤقت، بحيث تحكم قطاع غزة حكومة خدمات حمساوية بمشاركة سياسية من باقي القوى والمجتمع المدني، أما في الضفة الفلسطينية فيحكمها حكومة خدمات فتحاوية بمشاركة سياسية من باقي القوى والمجتمع المدني، ويكون هدف الحكومتان تقديم أفضل الخدمات للمواطن الفلسطيني، وتشكل حكومة مركزية تمثل فلسطينيي الداخل والشتات يرأسها الرئيس عباس، ويقع على كاهلها الواقع السياسي والمفاوضات، والعلاقات الدولية، ومن الممكن أن تشارك فيها بالتوافق كل القوى الوطنية والاسلامية ومؤسسات المجتمع المدني، وتحمل برنامجاً سياسياً معتدلاً يتوافق عليه الجميع وقد تكون وثيقة الوفاق الوطني من الوثائق التي تشكل مرجعية هامة لبرنامج الحكومة المركزية، وتخضع الحكومة المركزية لرقابة من المجلس الوطني الفلسطيني بعد إصلاح مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ودخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى صفوفها، وأن يستمر الواقع الجديد حتى إنهاء تداعيات الانقسام، وبعدها نستطيع أن نجري انتخابات رئاسية وتشريعية وأن نتوافق على نظام سياسي فلسطيني يتوافق مع طبيعة المرحلة الجديدة.
هذا الطرح يضمن بقاء مؤسسات الوطن موحدة، ويبعد شبح الانفصال وبقاء الواقع على ما هو عليه الآن، كما يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويراعي طبيعة موازين القوى على الأرض، ويضمن من خلال العمل المشترك تعزيز الشراكة من الجميع، والأهم من ذلك يساهم بشكل كبير في رفع الظلم عن شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، حيث سيكون هناك توزيع عادل للموارد المالية بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية