قد يرى البعض أن حركة " حماس " بالغت في تنازلها لحركة فتح خلال مارثون مفاوضات تشكيل الحكومة الطويل، وربما يرى هؤلاء أن "حماس" قدمت تلك التنازلات مرغمة ومن منطلق ضعف ووهن، ولكن في حقيقة الأمر تجاهل أصحاب هذا الرأي أن "حماس" لا تزال تمسك وستواصل الامساك بزمام الحكم الحقيقي والعميق في قطاع غزة رغم كل التصريحات والمظاهر العاطفية التي تظاهر بها مسئولوها وقادتها لحظة وبعد اعلان الرئيس محمود عباس تشكيل حكومة التوافق.

وبحسبة بسيطة فلن ينتقص الواقع الجديد من حجم وقوة حكم وتحكم حركة "حماس" في عصب الحياة ومفاصلها في قطاع غزة الذي رزح تحت حكمها لثماني سنوات ونيف، ورغم الحالة البدنية والنفسية غير المريحة الذي ظهر بها رئيس الوزراء السابق اسماعيل هنية خلال خطاب الوداع الذي اعقب تشكيل حكومة التوافق.

 سيظل هذا الرجل الذي شغل أطول فترة رئاسة وزراء في تاريخ الشعب الفلسطيني امتدت لنحو ثلاثة ألاف يوم وبصفته القائد لحركة حماس في قطاع غزة ممسكاً بخيوط الحكم في قطاع غزة رغم تواجد ووجود وزراء من حكومة التوافق في غزة على رأس عملهم ونشاطهم، واتفاق غزة والذي هو امتداد لاتفاقات سابقة اعطى هذه الميزة لحركة حماس حينما منحها الصلاحية المطلقة في الشأن الأمني واشترط التوافق فيما يخص دمج الدوائر المدنية الأخرى، إذا لماذا كل هذا التهويل والتضخيم بشأن تنازلات وخسارة حركة حماس التي تمتلك جيشاً من العسكريين يضم أكثر من خمسين ألف مقاتل محترف، خصوصاً وان التجارب تبرهن وتؤكد أن من يسيطر على الأمن يسيطر على الحكم، وبالتالي سيصبح هنية ورفاقه في المؤسستين العسكرية والسياسية المرجعية النهائية لأي قرار ولكل صغيرة وكبيرة في قطاع غزة سواء بالعرف أو بالعادة أو بالتوافق الوطني أو بمنطق القوة.

وبحساب الربح فإن حركة "حماس" قد اعفت نفسها امام الشعب من أية مسؤولية اقتصادية وحتى أمنية قد تصيب القطاع خلال الفترة القادمة لتذرعها بترك الحكم وسيطرة الرئيس عباس عليه والذي من المتوقع أن تواجه حكومته مشاكل اقتصادية قاسية قد تفوق أضعاف ما تعرضت له حكومة حركة حماس طيلة سنوات حكمها السبع، وبالتالي ستجد الحكومة العتيدة نفسها مسؤولة أمام الشعب.

وربما يتعرض وزرائها لأقسى أنواع النقد والاحتجاج الشعبي سيما مع تزاحم المطالب والتطلعات والتي تتزايد مع كل تصريح يخرج من وزراء الحكومة المرتبكين، وعندها سيصبحون مادة دسمة لهجوم الكتاب والمحللين والمراقبين وحتى المراهقين الذين أضحوا خبراء في السياسة خلال الاربعين يوماً الماضية، فتمسك حركة حماس بتشكيل الحكومة وقبولها كل شروط الرئيس عباس والذي يراها ضرورية لكسب الاعتراف والتعامل الدولي مع حكومته كانت مدروسة ومحسوبة وموزونة بميزان الهوى قد تخفق أنظمة سياسية مارست السياسة لقرون طويلة في حسابها، وبهذا ستجد حماس الحركة التي خسرت الكثير من زخمها الشعبي خلال سنوات حكمها بسبب اخطاء ارتكبتها نفسها أمام فرصة ذهبية ولحظة صفاء ذهني نادرة لتحسين واقعها وتعديل مسارها وتدارك اخطائها واعادة حساباتها على الصعيد الداخلي والخارجي بعد فقدانها لاهم حلفائها في الخارج، ولن تجد حماس صعوبة في تعديل مسارها الذي انحرف كثيراً نظراً لمرونتها العالية وانضباطها الحركي والتنظيمي الشديد. 

الكاتب: الصحفي عيسى سعد الله

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد