ناقش فلسطين في السرد العربي
ملتقى الرواية يجمع بين مخيمات غزة ودمشق
انتظمت فعاليات ملتقى فلسطين الثالث للرواية العربية في يومه الثاني بندوتين أدبيتين أولهما بعنوان "فلسطين في السرد العربي" بمشاركة كلٍ من الروائي والكاتب أحمد المديني، والروائية جنى الحسن، والروائي علي بدر، والروائية مريم الملا، والروائي والكاتب مفلح العدوان، بإدارة الكاتب طارق عسراوي.
والندوة الثانية كانت بعنوان "السرد الفلسطيني في رواية اللجوء والشتات" بمشاركة كل من الروائي غريب عسقلاني، والروائي حسن حميد، والروائي عبد الله تايه، والروائي ناصر رباح، وأدار الجلسة الناقدة والكاتبة د. سهام أبو العمرين.
والندوة الأولى التي جاءت تحت عنوان "فلسطين في السرد العربي" والتي أدارها الكاتب طارق عسراوي قال في افتتاحها إنه بلا فلسطين مَن نكون!، كلّ ذهاب إلى مكان هو اكتشاف للمكان، لا يعني الوجود لنا شيئاً إلا بوجود الأمة وفي قلبها حق الشعب الفلسطيني في استرجاع الأرض التي اغتصبها الصهاينة وتوافُق العالَم الحر المزعوم على هذه الجريمة النكراء.
بدوره، تحدث الأديب المغربي أحمد المديني عن أن السرد في الرواية الفلسطينية مرّ بمراحل، الأولى ما كتبه الروائي الفلسطيني عن فترة الحكم العثماني، ثم روايات إعادة بناء الحياة الفلسطينية وتصويرها من خلال التقاليد والحياة اليومية من وعد بلفور حتى الانتداب البريطاني، بعد ذلك روايات ما بعد النكبة وبداية الشتات ومقاومة الاحتلال.
وأضاف أن الروائي أو الكاتب الفلسطيني يعيد في الرواية تأسيس المكان ويعيد تأسيس وتفصيل كل شيء في وطنه كأنه عالم اجتماع وحكواتي، وكأن فلسطين موجودة في روايته بناسها وعمرانها وتضاريسها. وأشار المديني إلى كتابين أنتجهما عن فلسطين يعتبران من أدب الرحلات، (رحلة إلى رام الله ) و(أشواق الرحلة المغربية) الحائز على جائزة ابن بطوطة.
وفي مداخلتها، أضافت جنى الحسن أنها في روايتها (طابق 99) تناولت موضوع فلسطينيي لبنان وطرحت عدة أسئلة حول الهوية الفلسطينية لفلسطينيي الشتات، فلم تأخذ صورة الفلسطيني البطل فقط، بل صورة الفلسطيني الذي يطرح الأسئلة حول هويته، الذي يحمل هذا الإرث فيسلك طريقًا طويلًا للتصالح مع هذه الهوية وضرورة الدفاع عنها، وعند سؤالها لماذا كتبت عن فلسطينيي لبنان، أجابت بأنه يوجد علاقة شائكة بين اللبنانيين والفلسطينيين وهي قضية ملموسة على أرض الواقع.
وأشارت إلى جملة على لسان بطل روايتها مجد في "كلما بنى أبي حجرًا في المخيم شعرت أنه يهدم جدارًا في أرضه المنكوبة"، هذه الجملة تدل على التسمك بالوطن كفكرة وكوجود. فالبطل ينتمي إلى جيل الأبناء الذي لا يعرف فلسطين إلا كفكرة على نقيض جيل الآباء الذين عاشوا النكبة وفلسطين.
ويشير الروائي علي بدر إلى أن القضية الفلسطينية أسهمت إسهامًا هائلاً في الرواية العربية، هذا لأن للرواية القوة الإيديولوجية في ما يُطلق عليه صناعة الأمة. كانت فكرته كتابته رواية إيديولوجية عن القدس المدينة التي حملت فضاءً إيديولوجيًّا، فكتب رواية "مصابيح أورشليم" التي أراد من خلالها بناء سردية مضادة للسرديات الإسرائيلية ومقاومة لها ومفككة لأساطيرها وأبطالها وحبكاتها، فجاءت الحبكة الأساسية في الرواية عن إدوارد سعيد وهو يسير في القدس يرافقه مائير وإيسير وهما من أبطال الروايات الإسرائيلية التي تسردُ تاريخ الأمة طبقًا لمصالحها ووجودها، فمن خلال رؤية إدوارد سعيد نصل إلى تفكيك الرواية التاريخية الإسرائيلية، وإلى سردية غير السردية الكولونيالية، سردية تناقض السردية الإسرائيلية وتهدمها.
وقالت مريم الملا في مداخلتها إنّ مشاركتها في الملتقى كانت حول عمليْن أنتجتهما عن فلسطين، العمل الأول باسم "شجرة التين"، أرّخت به القضية الفلسطينية منذ عام ١٩٤٧ حتى عام ١٩٦٧، تناولت فيه أربعة أجيال خلال هذه الفترة في ثلاثة مناطق فلسطينية هي: القدس ورام الله وقرية دير عمار.
وأضافت أن شجرة التين الذي أنجزته عام ٢٠٠٣ عملها الأول الذي يتناول القضية الفلسطينية، حاولت فيه أن ترسم صورة للشعب الفلسطيني قبل النكبة، كيف كانت حياته والاستقرار الذي عاشه، والمآسي التي عاشها بعد ذلك.
وأشارت الملا أن هذا العمل قد تحول إلى سيناريو درامي سيتم إنتاجه قريبًا.
أما عملها الثاني باسم "رسائل بحّار فلسطيني" أصدرته عام ٢٠١٤ بعد تعرفها على شاب فلسطيني من نابلس أصبح بحّارًا، رصدت فيه قصة عائلة الشاب التي هُجرت من نابلس عام ١٩٦٧، وأسست حياتها في الخارج، وذكرت التفاصيل التي أوردها الشاب حول كيفية دخوله إلى نابلس بعد أن كبر وزيارته لعائلته التي بقيت هناك، وكيف وصف المدينة. الرواية عبارة عن رسائل بين الملا وبين هذا الشاب.
وتحدّث مفلح العدوان في مداخلته أنه كتب عن فلسطين باعتباره فلسطينيًّا من أصل أردني، وأشار إلى نصّه المسرحي (بلا عنوان) الذي كتبه عن فلسطين بمناسبة إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية، والذي تناول فيه القدس قديمًا وحديثًا، من خلال تتبع سيرة أبواب القدس والمعاناة والنضالات على أبوابها. وتناول في المحور الثاني من حديثه كتابه (سماء الفينيق) وهو عبارة عن يوميات زيارته إلى فلسطين، عندما دُعِيَ لإلقاء ندوة حول روايته (العتبات)، وأمضى خمسة أيام زار فيها أريحا ورام الله والخليل و بيت لحم ونابلس وعدة أماكن أخرى، تتبع الذاكرة المشتركة بين فلسطين والأردن، وتلمّس في تلك المدوّنة نضالات وسرديات فلسطينية ولكن بخصوصية أردنية.
أما الندوة الثانية التي جاءت تحت عنوان "السرد الفلسطيني في رواية اللجوء والشتات" افتتحتها الناقدة والكاتبة د. سهام أبو العمرين بالحديث عن تجربة المنفى التي أثارت جرحاً في الوعي والذاكرة وعملت شرخاً في الهوية، وجد الفلسطيني ذاته في مأزق وتحول المنفى مع مرور الزمن إلى ظاهرة مرضية تحول من حالة المؤقت إلى أن يترسخ في الوجدان إلى حالة الوجود الدائم، تجربة المنفى تجربة إشكالية ومأزق تقذف الذات الفلسطينية نحو المصير والهوية.
من جهته، قال الروائي غريب عسقلاني :"إن القضية الفلسطينية مرت بثلاث مراحل، ربما نحن في هذا اللقاء نمثل الجيل الثالث بعد النكبة الفلسطينية، نحمل حكايات الآباء والأجداد منذ الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية وحتى النكسة وما تلاها من انتكاسات عربية على مستوى الفعل القومي الجامع الذي يتمترس حول قضية فلسطين ككقضية مركزية في العالم العربي والإسلامي.
وأضاف عسقلاني : أخذنا الرواية عن الآباء والأجداد الذين رصدوا الحياة في فلسطين قبل اللجوء، متحدثاً عن خروجه ووالدته من مجدل عسقلان إلى أن يصبح لاجئاً في أحد مخيمات غزة ، ثم تغرب للدراسة وعاد للوطن، قائلاً :"مرت القضية بعدة انتكاسات لكل منها جزء من الذاكرة ..هل نحن كتاب ذاكرة فلسطين أم نحن شهود على ما آلت إليه القضية، وجميعنا نراهن على العودة لأرض فلسطين التاريخية ..ماذا قدمنا وكيف كانت مسيرتنا؟ نحن أصحاب الأرض ونزرع فيها عميقا، فالفن الروائي خير من يحمل هذه المهمة، والمبدع الفلسطيني لم يتخلَ عن حلمه، فنحن لم نكتب كما كتب آباؤنا ولم نكتب كما سيكتب آبناؤنا، فنحن شهود مرحلة".
من جهته، أكد الروائي حسن حميد في مداخلته أن الرواية الفلسطينية في الشتات، واجهت، منذ ساعاتها الأولى، بعد الاقتلاع والتفرق مفاجآت غريبة وثقيلة ومنها ضياع المكان أو افتكاكهُ من أيدينا، والعيش في مكان طارئ، هو المخيم، في النصوص السردية الأولى، كان المخيم مكاناً كارثياً، مكاناً جهنمياً، مكاناً لا تليق به صفة المكان والاجتماع لأن لا حياة فيه، وفي النصوص السردية الفلسطينية الأولى التي كتبت في المكان الطارئ، مكان الشتات، أي المخيم، كانت الذاكرة هي الناشطة وهي تمرر صور المكان الفلسطيني القروي والمديني ، سنوات طوال، قضاها السرد الفلسطيني في بقع أرجوانية دامية، شكلت معاناة الفلسطينيين في أمكنة لجوئهم وشتاتهم، وأبرزها المخيم بوصفه المكان البديل/ الطارئ الذي حفظ الرواية الفلسطينية.
وأضاف " قد عرفت السرود الفلسطينية قيمة أدبية رفيعة في عقد السبعينيات حين تصلب درب المقاومة، وحين غدا اللاجئون الفلسطينيون حركة تحرر وطني في جبهات عدة محيطة بالوطن الفلسطيني، فقد حضرت الآداب الفلسطينية عامة، والفنون الفلسطينية عامة أيضاً حين أُيّدت بدور النشر، والنقد، والصحافة، والترجمة، والمؤتمرات، والندوات، والملتقيات، وبدت الحياة الثقافية العربية، وليست الحياة الثقافية الفلسطينية وحدها، كما لو أنها تدور حول الموضوع الفلسطيني، حول السطر الذهبي الفلسطيني الذي حدد الهوية والمسار والمآل".
بدوره أكد الروائي ناصر رباح أن للمكان حضوره القوي والبارز في معظم السرد الفلسطيني سواء القصة أو الرواية، فالأحداث تدور غالباً منطلقة أو عائدة إلى المكان وحيث يكون البطل الأساس في الرواية ويعزى ذلك حسب رأيه كردة فعل لعدم إحساس الفلسطيني بالسيطرة على مكانه الجغرافي سواء كان في الشتات أو تحت الاحتلال، فكانت محاولة الكتاب استعادة المفقود في الواقع بالحضور الطاغي له في السرد.
وأضاف رباح أن المخيم وأزقته وبيوته ورائحته وشخوصه، لوحات السفر والمعابر وأماكن الغربة كان لها الحضور الطاغي والكبير في الكتابة الفلسطينية أيضاً، حيث استرد الفلسطيني في الرواية مكانة المفقود في الواقع وعض عليه بالنواجذ.
من جانبه أكد الروائي عبد الله تايه أن الأدب الفلسطيني أدب مقاوم في معظمه، والرواية الفلسطينية التي صدرت في داخل أو خارج فلسطين تتحدث عن القضايا الأساسية المتعلقة بالقضية الأساسية وهي اللجوء والنكبة والمقاومة والحرية والاستقلال ومحاربة الاحتلال، والذي يود أن يعرف كثيراً عن فلسطين وبيئتها الثقافية والسياسية وحركة المقاومة والاحتلال، عليه أن يعود لما كتبه الروائيون داخل وخارج فلسطين، فالسرد في الرواية الفلسطينية يعبر عن الحال والمخيمات واللجوء والعودة ويرفض الاحتلال وتقف ضد المشروعات التصفوية للقضية، وقد أخدت الرواية بعد النكبة في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات دورها الفاعل، وحين تتحدث عن السرد الفلسطيني في الرواية خاصة في روايات اللجوء والشتات، يقفز أمامنا الكاتب غسان كنفاني الذي تعد كتاباته هي البداية الحقيقية للرواية، المقاومة، والتي تحدث فيها حول مضامين ونماذج كثيرة ، مثل رجال تحت الشمس، وعائد إلى حيفا وأم سعد.
وأضاف أن كتّاب الرواية سواء داخل فلسطين أو في الشتات كان يحميهم هم فلسطين في كتاباتهم وحرصهم على أن يبلغوا في سردهم أقصى ما يستطيعون من فنية الكتابة وجمالها ولغتهاوشخصياتها، فقد كان مفهوم الفن في كتابة الرواية حاضراً لديهم، الفن الملتزم المقاوم الإنساني الذي يكرس للأهداف والأفكار ويعرض النكبة واللجوء والاحتلال ومسارات القضية بكل وعي فني وجمالي وإبداعي.
يذكر أن ندوات ملتقى فلسطين الثالث للرواية العربية تتواصل من الثامن من تموز وحتى الحادي عشر من تموز بواقع ندوتين يومياً من ال 6 مساءً وحتى التاسعة مساءً.
حيث تتناول الجلسات عدة موضوعات أهمها : "صور الهوية في الرواية العربية" ، و "الرواية وأنماط الكتابة الجديدة"، و"الرواية كخطاب ثقافي : التحديات والآفاق" ، و " الإعلام الثقافي : مهماته وأدواره في تفعيل حركة النقد والمشهد الثقافي".