يقول: قصتك لا يصنعها إلا أنت
نورس أبو صالح.. حقق نبوءة أمه بمعطفٍ كبير الحجم
كان صباحًا بائسًا، أفاقت الحاجة أم نورس من نومها، وعلى وجهها ارتسمت علامات الأسى والحزن، لقد رأت حلمًا خلّف في قلبها "غصة" زيادة على الكثير من الغصات، تلك التي بدأت تتسلل إليه مع إرهاصات اكتشاف المرض الخبيث في جسد زوجها عام 2005م، وصولًا إلى نهايةٍ محتومة "الموت".
كبُرت الحاجّة على وجعها، وكبر "نورس" الذي كانت ترى فيه رجلًا للبيت، وأهلاً للمسؤولية، كيف لا؟ وهو الذي عاش طفولته على وقع ضربات الاحتلال الإسرائيلي "الموجعة"، وجنوده الذين لم يملوا أبدًا من اقتحام مدينة طولكرم التي يسكنها وعائلته.
في مدارس قريته "بيت ليد" تشرّب نورس أبو صالح "الوطنية"، فوصل إلى الثانوية العامة ، وتفوق في فرعها العلمي، ليصبح أهلًا للتسجيل في جامعة بيرزيت ، وهناك: على بعد أشهر فقط من بدء الدراسة اندلعت الانتفاضة الثانية، تمامًا في العام 2000م. أُغلقت جميع المؤسسات التعليمية حينذاك، فانتقل إلى الأردن وحده، وهناك التحق بجامعةٍ جديدة وسجل في تخصص "هندسة الحاسوب".. خمس سنواتٍ كان خلالها نورس من أوائل دفعته، إلا أنه –يا للمفارقة- أضحى اليوم المخرج المعروف "نورس أبو صالح".. ذاك العالمي الذي يروي حكايا بلاده فلسطين على مسامع العالم الذي لا يرى ضحيةً إلا "إسرائيل".
بدأت الحكاية، عندما قرر نورس خلال رحلة دراسته الجامعية للهندسة، استثمار وقت فراغه، وإشباع شغفه بالسينما والإخراج، فسجل في فرع المعهد الأسترالي داخل عمان، وهناك درس الإخراج السينمائي، ليكشف بذلك عن الكثير من المهارات الجميلة، التي يمكن البناء عليها، لصقل شخصيةٍ إعلاميةٍ مؤثرة.
يقول: "هنا بدأ التحول، وجدت مجال السينما وإخراج الأفلام، هو الأكثر مناسبةً لمستقبلي، ثم وضعتُ تصورًأ لفيلمي الأول".
حمل الفيلم الأول اسم "معطف كبير الحجم"، كان يتلخص حول ذلك الحلم الذي رأته أمه قبل وفاة أبيه، لقد رأت فيه "نورس" يرتدي معطفًا أكبر بكثيرٍ من حجمه، لكنه امتد ليتحدث عن معاناة الفلسطيني عمومًا تحت وطأة الاحتلال، تحت وطأة انسداد الأفق، وصلت مدته ساعتان "وهو من الأفلام النادرة التي وصلت لهذا الوقت بما تحمله من مضمون وإخراج".
الانتشار الكبير للفيلم، كان متوقعاً بحسب ما أوضح صالح خلال حديثه لـ "سوا"، "لكن ليس إلى الدرجة التي وصل إليها"، يقول: "تم عرضه في عدد كبير من المهرجانات الدولية والعربية والمحلية، كما أنّ كثيراً من الفعاليات والفضائيات حرصت على تقديمه للجمهور، عبر عروضٍ متنوعة".
ولم يكن "معطف كبير الحجم" الذي استغرق العمل فيه سنوات، العمل الوحيد في مسيرة عمل "نورس"، فهناك إلى جانبه العشرات من الأفلام الدرامية القصيرة، والفواصل الإعلامية.
يضيف: "فيلم (الهدنة) الفلسطيني الذي شاركتُ به في "مهرجان كان "في فرنسا و"مهرجان فينيسيا" في إيطاليا كان من أبرز الأفلام التي عملت عليها".
عمل نورس في بداياته، في قناة طيور الجنة للأطفال، وكان يخرج الكليبات المختلفة، ثم انتقل إلى الجزيرة الوثائقية، وأنتج هناك العديد من الأفلام، ليحط رحاله بعد ذلك في القناة الرسمية التركية، كمخرجٍ ومنتجٍ للأفلام".
الرسالة الفلسطينية الوطنية، هي الأساس لتكوين أي شخصية أو عمل فني بالنسبة لنورس، "وهذا الأمر هو ما أحاول صناعته على الدوام في نفسيات طفلاتي الأربع "جنان، وسوار، وشام، وألما"" يقول، ثم يكمل: "أردد على مسامعهن دومًا: "يا فتياتي، قدركن فلسطين، فإن لم تكنَّ فلسطينيات المولد، فأنتن فلسطينيات الانتماء للعدل والإنسانية".
وعن نظرته للسينما الفلسطينية "فالشعب الفلسطيني خلق تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتعرض لمجموعة انتهاكات بأشكال مختلفة، وهذا الأمر جعل السينما هامشاً في بعض الأوقات، إلّا أنّ الفترة الماضية، شهدت عدداً من التجارب التي يمكن القول، إنّه يجب البناء عليها، لتشكيل منظومة سينمائية فلسطينية قوية" يزيد.
وعن أبرز المواقف التي واجهها خلال عمله، يردف: "في إحدى مرات التصوير لأحد الأفلام الوثائقية، قابلت فتاة سورية فقدت أهلها في الحرب، فلم أتمالك نفسي حينها، وانهرت بالبكاء، لأنّها ببساطة فتحت وجعاً وجرحاً غائراً في جسدي.. جرح البُعد عن الوطن، وجرح اليُتم".
يختم المخرج نورس أبو صالح حديثه بالقول: "المخرج بالنهاية إنسان، يصيب ويخطئ، لكن من يرصد حياة أي مخرج سيجد أن أقرب تشبيه له هو الجبل المعروف بصموده وصبره لأكبر وقت ممكن". هذه نصيحة وجهها تحديدًا إلى كل من يرغب في اقتحام عالم السينما والإخراج "اجعلوا إنصاف القضية الفلسطينية هدفًا نصب أعينكم".
ملاحظة : هذه القصة مخرج دورة تدريبيبة عقدها بيت الصحافة