دخلت في الموضوع الذي استدعتني من أجله مباشرة قائلة: فجأة يظهر من كنت أنتظر، كنت حديثة العهد في فضاءات الانترنت هو الفنان الذي يقف في الجانب الآخر من الأثير، تستطرد محدثتي، لم أتوقع التعرف، عليه أو على غيره، في أي سياق فضائي. نعم اكتشفت التقاطعات التي تجمع بين شخصيتينا، نتشابه في الرؤية والتوجهات والعمل: محترَفه ومحترَفي، جنونه وشيطاني، جموحه وشغفي. نغرق في نظْم الزجاج الملَّون، نرسم العالم كما نحلم. ننحت نطرق ونلعب بالصلصال ونلوِّنه.
وتابعت صديقتي التي يسكنها شيطان وقديس: ببساطة متناهية، أغرق في حب ملتبس، لم يكن التباسا بقدر ما امتزج الالتباس بالرغبة في الوقوع في شراكه كما تشائين. كنت قادرة على تحليل وتوصيف حالي، لكني لم أدفع أي شيء عنها. وبدوره، كان صادقا في مساعدتي وتوصيف حالتي، قال لي: «انتبهي، ما أن طرقت خزان عواطفك حتى انفجر ساكباً مخزون حرمانه». نعم، دفعة واحدة انهارت منظومة دفاعاتي، تمرينات تطويع الذات، ونظرية سهام القنفذ.
هكذا بدأت القصة قالت، محترفان اثنان، أثير يجمعنا وكيمياء وذوبان المنظومة التي اختبأت خلفها. لم أفكر كثيرا بالأسباب، بل انصرفت إلى استقبال الحدث دون تغييب السياق الذي أتى به. ابتداء من سحبه الحجر الأول من البناء، الذي أدى إلى انهيار قطع «الدومينو». وبدأت الرسائل تتطاير في الفضاء بين عالمين مرتبطين بأسلاك، كنت أفرج خلالها عن بعض مخزوني، وأصلب ما تبقى.
قالت: أحببت تناقضاته، وبأنه أكثر من رجل. أعجبتني فكرة الحب، لوحة سيريالية كل يفسرها كما يشاء دون تفسير متفَقُ عليه. أمعنت في مغامرتي التي زاد سحرها قلة مخاطرها، كما توهمت. أسافر إليه برسالة، ويرحل عني برسالة.
لقد حلمت أن أكون أجمل اللوحات المعلقة في صدارة محترفه، وأن أشكل رأسه النبيل وملامحه المشوشة في مخيلتي على الرمال. في أعمالي، سيكون معروفاً لأني معروفة. وتطلعت إلى احتلال أعماله وأن أرى انعكاس ملامحي على التحف والحلي التي يطوِّعها بكلتا يديه، سأكون معروفة لأنه معروف. أعجبتني الفكرة.
سيحلو لي أن يكون موضوع معرضي القادم، سيكون المركز الذي تتشعب منه الأعمال قبل أن تجتمع مرة واحدة على فكرة جوهرها مستحيل. المستحيل، عنوان المعرض وفكرته. بالصلصال والرسم والزجاج الملون سأكسر النمط في تقاليد الحب وسياقاته. ستتشكل ذاكرة جديدة للفكرة، سأحرص على استنساخها من مورثات الحب العذري، ستحسدني الروايات. سأنتظر أعماله الجديدة، سأرى تأثيري عليها، تلقائيتي ومخزوني الذي غمر الفضاء، بلا مرشد أو دليل، وأطلب من العقل التنحي عن طريقنا.
لذيذ يا صديقتي العبث في الفضاء. لقد دفعني نحو البدايات المجهولة.. واختارني أن أكون شاهدة على تسجيل أحد أسراره!
وختمت قائلة: دون أن أدري اندفعت نحو رغائبية ووهم جميل. حقاً جميل. كأني أمارس اللعب لأول مرة، أنشأت محترفنا الموحد الذي لم يدر عنه شيئا. خطوة بسيطة واكتمل وضع الإطار للرواية المحتملة. قصة امرأة أحبّت أن تكون الحبيبة لمن يشكل الجمال بيديه، ورجل أحبّ أن يكون الرجل في عالم امرأة تعاني من الهدْر والانهماك..هكذا أنهت صديقتي فكرتها.
صمت يلف المكان. أقف أمام بوْح نادر. لملمت تلعثمي المبعثر وانصرفت إلى ترتيل أجزاء من الخطاب المشغول في محترفات البيئة الثقافية ومن فساد اللغة القمعية، بادئة بالجمل المأثورة، لا يليق ولا يجوز، وينتهي الكلام في محطة: ما الأفق والمآلات..وأسند أطروحتي بمرجعيات وجمل تحليلية بعضها مبطن بايحاءات مفهومة، والاستشهاد بأقوال الفنان المربوط بأسلاك في الجهة المقابلة للأثير.
أنت تحبين رجلا ينحت التماثيل ويعيش الأحلام، تشابهكما لا يبرر الدخول في محترف افتراضي. انها مسيرة شائكة سواء طالت أو انتحرت ببتر أسلاكها. انه حب تعذيب الذات، حتى وإنْ أمَّن لك الخروج من الوحدة، لأنه سيضمن لك الدخول في وحشة الوحدة، وسيتنقل بك من صمت واقعي إلى صمت افتراضي.
قبلتها بحنان فائض، وقلت : رممي الرخاوة التي أصابت منظومتك الدفاعية من جديد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية