طالما وأن ترامب يعلم أن ما يسمى ب صفقة القرن مرفوضة فلسطينياً وعربياً , فلماذا يطرح هذه الصفقة بشكل شبه يومي عبر وسائل الإعلام؟! هذا سؤال مهم لمعرفة خفايا ترامب , وخاصة أن بنود الصفقة لا تلبي أبسط مطالب الفلسطينيين , ولا تعبر عن جدية ترامب في عملية التسوية المزعومة , ولا تصلح أن ترتقي لربع أوسلوا , والتي هي بالأصل أقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية , فكيف ما هو أقل من أوسلوا سيكون على طاولة المفاوضات؟! يبدوا أن ترامب يطرح صفقة القرن بقالب السيكولوجيا "العامل النفسي" معتمداً على أن الساسة العرب والفلسطينيين تحديداً , لا يمتلكون الخبرة الكافية لإدارة الحروب النفسية والتي ميدانها الحقيقي "الإعلام" , فالورقة التي يلعب بها ترامب على طاولة الحرب النفسية خطيرة جداً , فهو يحاول نقل الصورة من المربع الخطير الى المربع الأكثر خطراً بالنسبة للفلسطينيين , بحيث ننسى الخطر القائم ونلتفت الى الخطر القادم .
علم السيكولوجيا هو علم مهم جداً في عالم السياسة , ولهذا فقد نجح ترامب ومنذ سنوات بأن يضع الفلسطينيين في حالة تأهب قسوى , إنتظاراً لليوم الموعود , وهو الإعلان عن صفقة القرن , وأن يفرغو الطاقات والإمكانيات الفلسطينية للتصدي لهذا اليوم , دون أن يفرغو طاقاتهم للخروج من الوضع الراهن والذي هو أقل بكثير من المطروح في صفقة القرن , فترامب يعتبر أن نقطة النهاية لصفقة القرن كنقطة البداية , وهما مكسباً له , بمعنى أنه على فرض أن ترامب أعلن اليوم عن بنود الصفقة , ومن ثم تم رفضها فلسطينياً عبر ردات فعل غاضبة , ومن ثم أجلها ترامب قليلاً مثلاً , وكما يفعل كل مرة (..) , فهذا يعني أن نبقى كفلسطينيين في المربع الأول , وهو الواقع الذي نعيشه , والذي وضع ترامب له حجر أساس , عندما نقل السفارة الأمريكية الى القدس , وشرع الإستيطان...إلخ , فالموضوع الأساس بالنسبة لنا يجب أن يكون "ماذا نحن فاعلون" وليس ماذا سيفعل بنا ترامب..
إن دعوة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي ل حماس إيجابية وبناءه , فهو إختصر علي الطريق ككاتب في كتابة هذه الدعوة , فعندما يدعو حركة فتح والفصائل الى إستئناف حوارات المصالحة رداً على ظهور صفقة القرن إعلامياً , فهذا يعني أن هنية وضع يده على المشكلة الحقيقية , فالرد الحقيقي على ما يدار حول صفقة القرن هو إنهاء الإنقسام , فالإنقسام بحد ذاته أخطر من صفقة القرن , ولو إستمر الإنقسام أكثر من ذلك , ربما يكون مخيم الشاطئ هو عاصمة فلسطين بحسب الطرح القادم لصفقة القرن , كما كانت أبو ديس سابقاً , ومخيم شعفاط اليوم .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية