بعد عشرة أيام فقط، توارت آثار عملية اغتيال قاسم سليماني عن واجهة الحراك السياسي والتغطية الإعلامية، وكأن مضخات سحب الأوكسجين أوقفت نيران هذه العملية التي كانت محور اهتمام عالمي، سياسي وإعلامي، هكذا فجأة تتصدر حادثة سقوط الطائرة الأوكرانية الحراك السياسي والإعلامي على نطاق عالمي واسع، قبل إعلان السلطات الإيرانية عن تحمل طهران مسؤولية الحادثة وبعدها، وعلى الأغلب لمدى ليس بالقصير، سيظل تداول هذه الحادثة وتداعياتها، الشغل الشاغل للحراك الدولي، سياسياً وإعلامياً، بهدف مقصود وهو إزالة عملية اغتيال سليماني وتداعياتها عن صورة الأحداث، ورغم أن إسقاط الطائرة الأوكرانية مرتبط أشد الارتباط بتداعيات اغتيال سليماني، إلا ان ما أظهرته وسائل الإعلام الإقليمية والغربية من تغطيات، تكاد تقطع الصلة بينهما، بقصد تربع حادث سقوط الطائرة وانزواء آثار عملية الاغتيال من الصورة!
في الثالث من تموز العام 1988، تحطمت طائرة إيرانية مدنية من نوع «ايرباص»، كانت متوجهة من بندر عباس إلى دبي، ونجم عن تحطمها مقتل 290 مسافراً، اثر إصابتها بصاروخين أطلقا من فرقاطة أميركية في مضيق هرمز، بعد عدة تحقيقات اعترفت واشنطن بمسؤوليتها وعوضت ذوي القتلى بما قيمته 102 مليون دولار، حوادث سقوط الطائرات من خلال صواريخ ليس بالأمر المعهود، لكنه مع ذلك يحدث، كما حدث مع الطائرة الأوكرانية، إلاّ أن هذه الحادثة الأخيرة تختلف في سياق الأجواء الملبدة بالتوتر الناجم عن اغتيال سليماني، وبروز نوايا ومقاصد لدى أطراف عديدة، أميركية وأوروبية وحتى عربية، حتى تتصدر حادثة إسقاط الطائرة الأحداث لوقت ليس بالقصير، فالأمر لن يتوقف عند اعتراف طهران بالمسؤولية، وكذلك لن يتوقف عند استعداد إيراني بالتعويض عن تداعياتها وضحاياها، بل سيتجاوز الأمر ذلك للتشكيك في مصداقية طهران التي حاولت، حسب هذه الأطراف، التنصل من مسؤوليتها بالادعاء أن ليس لها علاقة بالحادثة في بداية الأمر، طهران لم تتعامل بشفافية مع هذه الحادثة، كما كان الأمر عليه في حادثة إسقاط الطائرة المدنية الإيرانية من قبل الصواريخ الأميركية، التي سبق وأشرنا إليها، وبالنسبة إلى مختلف الأطراف، فإن الحادثة لم تنجم عن خطأ فردي بشري، بل عن تدني مستوى التحلي بالمسؤولية لدى النظام بشكل كامل، إذ من البديهي، وفقاً للأعراف المعمول بها أثناء الحروب والتوترات العسكرية، خاصة في المواجهات الجوية والصاروخية، أن يتم اتخاذ قرارات عاجلة ونافذة، بوقف ومنع وغلق الأجواء والمطارات تحسباً لأي خطأ يمكن أن يؤدي إلى سقوط طائرات مدنية ليس لها علاقة بالأعمال الحربية وسقوط أعداد متزايدة من المدنيين المسافرين على متن هذه الطائرات، وهو الأمر الذي لم تقم به الجهات الرسمية في إيران التي كانت تعيش، كما المنطقة بكاملها أجواء حربية وصاروخية من فعل ورد فعل، علماً أن الولايات المتحدة أمرت أسطولها الجوي المدني ومنذ اللحظة الأولى لاغتيال سليماني، بعدم السفر بالقرب من محيط إيران والخليج العربي، وكان بإمكان إيران اتخاذ نفس القرار البديهي والطبيعي في مثل هذه الحالات.
بشكل متعمد ومقصود، ستظل تداعيات هذه الحادثة مجالاً للمناورات السياسية والإعلامية لمدى طويل، على شكل حرب تشن على إيران وقيادتها وتوتير الأجواء الداخلية في البلاد التي اصطفت خلف قيادتها بعد اغتيال سليماني، ورهان مختلف الأطراف على توترات داخلية على اثر تحمل طهران مسؤولية إسقاط الطائرة الأوكرانية، خاصة في سياق تعويضات بملايين الدولارات، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإيراني من التدهور بفعل العقوبات الأميركية!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية