لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية مضطرة لاغتيال قاسم سليمانى حتى ترسل رسالة ردع قوية لإيران؛ خاصة وأنها قد أرسلت رسالة قوية بهذا المعنى عندما استهدفت مطلع الأسبوع الماضى قوات من الحشد الشعبي ردا على مقتل متعاقد أمريكي؛ وذلك فى هجوم اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية قوات الحشد الشعبي بالمسؤولية عنه؛ وأدى ذلك القصف الأمريكي لمقتل قرابة 30 عنصر من فصيل حزب الله العراقي أحد فصائل الحشد الشعبي؛ ولم يدفع هذا إيران إلى الايعاز برد عسكري؛ وقد اكتفى أنصار الحشد الشعبى بتنظيم احتجاجات شعبية فى محيط السفارة الأمريكية تضرر خلالها السور الخارجي للسفارة وأحد أبراج المراقبة؛ وسرعان ما تم نشر قوات عراقية لتأمين السفارة وما لبث أن اضمحلت تلك الاحتجاجات بانسحاب بعض المعتصمين من محيط السفارة بعد جلب الولايات المتحدة لأكثر من 800 عسكري لتأمين السفارة إضافة إلى تعزيزات أمنية من قوى الأمن العراقي.
وكان من الممكن أن تنتهى تلك الجولة عند هذه النقطة؛ لكن المعركة الدائرة فى أروقة السياسية الأمريكية بين الادارة الأمريكية بزعامة ترامب ومن وراءه الجمهوريين وبين الكونجرس الأمريكي بشقيه وخاصة مجلس النواب الذى يهيمن عليه الديمقراطيين جعلت من الورقة الإيرانية مادة لهذا الصراع؛ والذى يستهدف بالأساس تقليص حظوظ ترامب فى الفوز بولاية ثانية فى الانتخابات الرئاسية القادمة إن لم تفلح جهود الديمقراطيين فى غزله من منصبه نظرا لكون ذلك يتطلب أغلبية للديمقراطيين فى مجلس الشيوخ وهى أغلبية غير متوفرة نظرا لهيمنة الجمهوريين عليه؛ ومن هنا ندرك مقدار الحساسية التى تعيشها إدارة ترامب فى الفترة الحالية والتى هى أحرج مراحل إدارة ترامب منذ اعتلى سدة البيت الأبيض قبل قرابة أربع سنوات؛ وبالتالي نرى كيف يمكن لرئيس شعبوى بمقومات ترامب الفكرية أن يتصرف عندما يشعر بالخطر على مستقبله السياسي.
لقد تصرفت الولايات المتحدة بتهور لا يتناسب مع قوتها ومكانتها كدولة عظمى باستهدافها لقائد عسكرى إيراني بحجم قاسم سليماني خاصة وأن الرجل لم يكن مصنفا دوليا كإرهابى دولى إضافة إلى ذلك أن الرجل كان رأس الحربة فى القضاء على تنظيم داعش والقاعدة فى كل من العراق وسوريا ولم يثبت تورطه قانونيا فى استهداف مصالح أو حتى مواطنين أمريكيين؛ ويعد سليماني مسؤولا سياسيا وعسكريا رسميا رفيع المستوى فى الحكومة الإيرانية، وإقدام ادارة ترامب على اغتيال قاسم سليماني هو فى الحقيقة حرق من إدارة ترامب لكل مراكب الدبلوماسية على ضفتى الخليج وربما فى المنطقة بين إيران وحلفائها المحليين وبين الولايات المتحدة وحلفائها الاقليميي؛ وهو بمثابة إنهاء لسياسة حافة الهاوية التى طالما نجحت إيران والولايات المتحدة الأمريكية فى إدارتها خلال عقود؛ وهو ما يعنى أن المنطقة ستكون فى قادم الأيام أقرب ما تكون إلى الهاوية كون أن إيران ستكون ملزمة ومجبرة بردة فعل أقرب إلى الفعل الأمريكي؛ وهو ما سيجلب رد فعل أمريكي أكثر تهور من إدارة أمريكية يقوها رجل كترامب فى وضعه الحرج الراهن؛ وهو ما يعنى أن المنطقة برمتها قد تكون فى طريقها نحو أصعب أوقاتها خاصة إن قررت ايران عدم الاكتفاء بالرد فى العراق وتوسيع دائرة الاشتباك والرد عبر أذرعها العسكرية الممتدة فى المنطقة لنقل المعركة بعيدا عن حدودها؛ وفى تلك الحالة ستكون إسرائيل على رأس القائمة المستهدفة من الرد الإيراني؛ وهو ما سيعنى فتح جبهة تمتد من الخليج العربى وحتى شواطئ المتوسط؛ ولن يكون مستبعدا أن تصل إلى البحر الأحمر؛ وهو ما يعنى شلل كامل لمنطقة هى مصدر الطاقة الرئيسى للعالم؛ وعليه على القوى المؤثرة فى العالم أن تتدارك الأمور قبل فوات الأوان.
لقد أنهت الولايات المتحدة باغتيال سليماني أى أمل فى أى حوار دبلوماسي فى حلحلة الأزمة مع إيران على الأقل فى المدى المنظور؛ وفتحت الباب واسعا أمام حوار الدم الذى لن يجلب إلا مزيد من الدم، وتدارك الأمور قد يكون صعبا لكن فى المقابل ليس مستحيلا إذا ما أدت جهود الوساطة لتلافي الكارثة المحدقة إلى تحقيق صفقة سياسية مرضية لكل الأطراف وحتى يذوب الثلج ويبين المرج لنرى إلى أى المئالآت ستؤول الأمور في المنطقة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية