لا يخرج سجل الأحداث الفلسطينية خلال هذا العام ٢٠١٩، عن المألوف طالما ان الحراكات في لبنان والعراق، وما يجري في ليبيا من تطورات قد طغت على الحدث الفلسطيني.
الثابت في الوضع الفلسطيني، هو استمرار السياسات الاسرائيلية التوسعية العنصرية ومواصلة التنكيل بالفلسطينيين، بالإضافة الى رسوخ الانقسام، وتراجع الشعور بالتفاؤل إزاء إمكانية إنهائه الى الصفر. لا يعني ذلك ان الأوضاع الفلسطينية خالية من النشاطات والمواجهات التقليدية المعتادة، وتلك التي تستثير المزيد من الشكوك والمزيد من المشاحنات والاستقطابات السياسية بين سلطة رام الله وسلطة الأمر الواقع في غزة ، مثلما هو الحال بالنسبة لتفاهمات التهدئة وإقامة المستشفى الأميركي وحتى ملف الانتخابات.


ختام العام مسك كما يقال، فبعد طول انتظار ومثابرة، وتراكم الإنجازات تحقق الدبلوماسية الفلسطينية نجاحا باهرا، حيث أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، التوصل الى اتخاذ قرار بشأن المرحلة الأولى من إجراءات وآليات التحقيق في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل.


القرار عملياً، ما كان له ان يصدر لولا ان المحكمة قد توصلت الى قناعة بشأن الولاية الجغرافية وانطباق أحكام روما على فلسطين غير ان هذه القناعة لا تكفي للثقة بأن الأوضاع أصبحت محسومة في اتجاه البدء ومتابعة التحقيقات، حتى تحقيق العدالة، وذلك ان العدالة كما الشرعية تحتاج الى القوة، حتى تصبح نافذة.


منذ العام 2009 والفلسطينيون يدفعون بعديد الملفات التي تتصل بجرائم حرب وجرائم بحق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ترتكبها إسرائيل، لكن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك اوكامبو، لم ير ان الولاية الجغرافية لدولة فلسطين تمنحه الصلاحية في فتح التحقيق.


التطور الذي وقع العام ٢٠١٢، وتمثل في اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بمكانة فلسطين كدولة مراقب، قد أنهى عمليا اعتراض الجنائية الدولية على هذا الأمر.


خمس سنوات بعد ذلك، تابعت الدبلوماسية الفلسطينية تقديم الرسائل والشكاوى والملفات، للمحكمة الى ان وصل الأمر الى ما وصل إليه، اليوم، نقول ذلك حتى نذكر الذين استخفوا برفع العلم الفلسطيني بين أعلام دول العالم أمام الأمم المتحدة، ثم قللوا من الإنجاز الذي تحقق من خلال الاعتراف بمكانة دولة فلسطين كعضو مراقب.


فوق الزلازل التي تتعرض لها إسرائيل، وملكها الفاسد بنيامين نتنياهو بسبب الأزمة الانتخابية وما يصاحبها من تحولات وانقسامات وبسبب ما يتعرض له نتنياهو من تهم من شأنها ان تنقله من مقر رئيس الحكومة الى السجن.


لم يبق مسؤول إسرائيلي، سياسيا كان أم امنيا، أم حزبيا أم قضائيا إلا وعبر عن مخاوفه، ورفضه لقرار المدعية العامة واعتبار المحكمة معادية لإسرائيل.


نتنياهو اعتبر القرار، يوما اسود في تاريخ إسرائيل، أما احد وزرائه فقد طالب بإمهال السلطة 48 ساعة حتى تسحب شكواها للمحكمة وإلا فدمار السلطة. تعتقد إسرائيل بأن عدم انضمامها وعدم اعترافها باتفاقية روما وان شطارة المشرعين في الكنيست والجهاز القضائي في تكييف القوانين العنصرية، والاستعمارية من شأنه ان يصد باب العدالة والقانون الدوليين.


من الآن فصاعدا، يترتب على كل مسؤول سياسي او امني إسرائيلي ان يأخذ حذره وان يتحفظ على أي مهمة تتطلب منه زيارة أي دولة، حتى لا يكون عرضة للمساءلة والمحاكمة.
ويترتب على إسرائيل أيضا ان تضع فرامل على سياساتها واعتداءاتها على الأرض والشعب الفلسطيني، ذلك انها سترتكب المزيد من الجرائم.


على ان هذه التحذيرات يمكن ان تنفع في حال كان الأمر يتعلق بدولة طبيعية أما بالنسبة لإسرائيل فإنها لا تستطيع ان تغادر طبيعتها، ولا يمكن للذئب ان يتحول الى حمل حتى لو ارتدى فروته.


الطريق الى العدالة طويل وشائك ومليء بالمعارك وهو أيضا محفوف بالمخاطر، فلدى الجنائية الدولية مائة وثمانون يوما، حتى تبت في سؤال الولاية الجغرافية، بالرغم من ان هذه المسألة قد تم البت بها بمجرد قبول المحكمة وتعاطيها مع الملفات التي دفعها الفلسطينيون، خلال هذه الأشهر الستة ستصاب إسرائيل ومعها الولايات المتحدة بالحمى، اذ سيتم تجنيد كل الإمكانيات من اجل منع المحكمة من التقدم نحو التحقيقات العملية.


من المؤكد ان المدعية العامة للمحكمة الجنائية، وقضاتها سيتعرضون لحملات ضغط وتخويف، وقد يكونون مهددين بالقتل، اذا لم تفلح وسائق الضغط، هذه معركة شرسة ينبغي على الفلسطينيين ان يتوحدوا لخوضها، وان يمتلكوا إرادة قوية للمتابعة فضلا عن ضرورة الاستعداد الجيد وتوفير الخبرات، والدعم العربي الحقيقي، حتى يمكن لهذا المسار ان يصل الى خاتمة، ينتظرها الفلسطينيون.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد