أشرتُ في مقال سابق إلى ولع أهلِ غزة بامتلاك سيارات الدفع الرباعي، أرجعتُ السببَ إلى الحصار والضائقة، واعتبرتُ أنَّ امتلاكَهم تلك السيارات ناتج عن (عقدة) الحصار المفروض عليهم، فهم يظنون حين يقتنون هذه السيارات أنهم أصبحوا أحراراً، يتجولون في براري غزة، وبحيراتها، وغاباتها، بسيارات الدفع الرباعي!


يقلد الغزيُ الحالِمُ، المأسورُ، السجينُ، الذي لا يملك حتى ثمن (لعبة) سيارة، يُقلدُ الآخرينَ الأحرارَ، يعوِّض عما ينقصه من حريةِ السفرِ في طُرق (الهاي وي) السريعة، فيسافر بطريقة أخرى، وهو جالسٌ في بيته، يسافر على صفحات الفيس بوك، فينشر خريطةَ العالم، وبها سهمٌ أحمرُ، (سهم شبكة، غوغل إيرث) يؤشِّر على وجوده في مستشفى، أو في مكانٍ قريب، مع العلم أن المسافة بين المكانين في مدينة غزة الصغيرة أقرب من رسم الخريطة على صفحة الفيس بوك!!


كذلك فإن بعض الإعلاميين، ممن لم يتمكنوا من توسيع مداركهم الثقافية، والجغرافية بسبب الحصار، وندرة السفر إلى الخارج، يتخيلون جُغرافية غزة، أكبر بكثير من مساحتها الجُغرافية الحقيقية (365 كم مربع)، كانوا ينقلون أخبار الحروب على قطاع غزة، قائلين:
«احترسوا، طائرات إف 16 تجوب سماء شمال جباليا».
مع العلم أن دورة الإف16 تحتاج إلى مساحة أوسع بكثير من كل قطاع غزة!
هناك طرائف لا أعتقد أنها توجد في أي مكان، إلا في غزة.


من هذه الطرائف، وجود سيارات مصممة لدول السير على الجانب الأيسر من الطريق، لذلك فإن مقودها يقع في الجانب الأيمن، وليس في الأيسر، هذه السيارات وصلت إلى غزة بواسطة لجان المناصرة والدعم القادمة من الدول ذات أنظمة السير في الجانب الأيسر! الغريب أن سائقيها، لا يشعرون بشذوذها، وصعوبة قيادتها، فهم يُجيدون قيادتها!


من طرائف السيارات في غزة أنني ركبتُ مع سائقٍ تجاوز الخمسين من العمر، فأنا دائماً أختار السائق، لأنني أشعر بالراحة وأنا أركب سياراتهم، غير أن السائق الذي ركبتُ معه، لم يكن يسمع القرآن من راديو السيارة كما هو شائعٌ، بل كان يمسك بيده نسخةً ورقية من القرآن الكريم، يضعها في منتصف المقود، ويقرأ، يقلب الصفحات باحتراف.
كان يُطيل النظر في الصفحات أكثر من الطريق، ما دفعني إلى أن أنظر إليه باستغراب!


عاجلني بالقول: لا تخف! رددتُ: كيف لا أخاف، وأنت لا تتابع الطريق؟


ردَّ: قراءة القرآن تبعد الحوادث والشيطان! طالبته بإيقاف السيارة، فَضَّلتُ أن أكمل الطريق ماشياً!


ومن طرائف حالة المرور بغزة، الأسياج، أو الأسيجة الحديدية المغروزة على بقايا الأرصفة حول المدارس، هذه الأسيجة الحديدية، جرى وضعها، بحسن نِيَّة، حفظاً لحياة طُلاب المدارس، عندما يخرجون راكضين فرحين إلى الشارع بحريتهم المسلوبة من سجن غرف الدراسة المحاطة شبابيكها بأسلاك تشبه بالضبط أسلاك السجون!


الغريب أن معظم الطلاب يُحجمون عن السير في داخلها، يتجنبونها، يقتحمون الإسفلت، غير عابئين بالسيارات، بعد أن أصبحت تلك الأسيجة على الأرصفة مُشابهة لأسيجة شبابيك (سجون) الفصول الدراسية، ولم تعد هذه الأسيجة تحافظ على سلامة الطلاب المندفعين إلى الشوارع، بل أصبحت تؤدي عكس ما وضعتْ له، تساعد على كثرة الحوادث، ليس بسبب صدئها، وتحللها، وخطر الاقتراب منها فقط، بل لأنها تساعد كذلك في تضييق الشوارع!


قد أجد عُذرا لمن نفذوا مشاريع الأسيجة حول مدارس الأطفال، ولكنني لا أجد عُذرا للأسيجة الصدئة المحيطة بالجامعات الفلسطينية في غزة، فهي إشارة إلى أنَّ طلاب جامعاتنا البالغين، الراشدين، المتعلمين، حاملي الألقاب الأكاديمية، الماجستير، الدكتوراه، قاصرون! يحتاجون إلى أسياج !


هذه الأسياج تُقام حول الطُرق السريعة في دول الغابات الشاسعة، المملوءة بالحيوانات البرية، غايتها، الحفاظ على حياة هذه الحيوانات من الموت تحت عجلات السيارات، ومنعها من التسبُّب في حوادث المرور!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد