يصادف السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام اليوم العالمي للقضاء على الفقر، ويعود إحياء هذا اليوم للعام 1987، وهو اليوم الذي اجتمع فيه نحو مائة ألف شخص تكريما لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس، التي وقِّع بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. وقد أعلنوا أن الفقر يُشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وأكدوا الحاجة إلى التضافر بغية كفالة احترام تلك الحقوق.
في فلسطين وفي ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي والحصار والانقسام يظل الفقراء هم من يناضلون لمكافحة الفقر والمطالبة بحقوقهم أمام ثلاث سلطات وهي الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية وسلطة حركة حماس ، وتلك السلطات مطالبة بالعمل على بذل الجهود مكثفة للقضاء على الفقر المدقع والتمييز بناء على قدراتها، من اجل بناء مستقبل مستدام، والعمل على تمكين الجميع من الممارسة الكاملة لحقوق الإنسان الخاصة بهم، واشراكهم في القرارات التي تؤثر على حياتهم ومجتمعاتهم وان كانت في صلب السياسات والاستراتيجيات.
ما يعمق من الفقر في فلسطين استمرار الانقسام الفلسطيني، الذي يجعل الفلسطينيين يعيشون في أوضاع كارثية ليس لها مثيل من التدهور الخطير في حقوقهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وكذلك حرمانهم من الحقوق المدنية والسياسية وعدم تمكنهم من المشاركة في اتخاذ القرارات والسياسات. وما زال الذين يعيشون في فقر مدقع يمثلون عارا أخلاقيا، حيث يعاني الأشخاص الذين يعيشون في فقر من عديد أشكال الحرمان المترابطة والمتلازمة التي تمنعهم من إعمال حقوقهم وتعمل على استدامة فقرهم في ظل عدم توفر فرص العمل، وغياب السكن الامن، وغياب الطعام المغذي، ووجود تفاوت في إتاحة الوصول إلى العدالة.
وتظهر الفجوة كبيرة بين الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تزايد أعداد الفقراء والمحرومين من حقهم في الحياة الكريمة باستمرار، وقد بلغت معدلات البطالة في القطاع نحو 55%، وعدد العاطلين عن العمل حوالي 230 ألف شخص، فيما ارتفعت معدلات البطالة والفقر المدقع لتتجاوز 65%. ووفقا لرئيس الوزراء محمد اشتية قال: أن هناك حوالي 163 ألف أسرة، تتلقى مساعدات نقدية من السلطة الفلسطينية، مُسجلة لدى وزارة التنمية الاجتماعية. منها 70 ألف أسرة في غزة ونحو 40 ألف في الضفة الغربية (110 آلاف) يتلقون مساعدات نقدية من السلطة، فيما لا تتوفر أموال كافية لمساعدة البقية.
كما بلغ عدد الاشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" والمؤسسات الإغاثية الدولية والعربية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة، وهي النسبة التي بلغها انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في قطاع غزة. إضافة الى الأوضاع الصحية والسكن الملائم حيث أن قطاع غزة بحاجة الى نجو 100 ألف وحدة سكنية، وان نحو 2000 منزل تم تدميرها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدوان 2014 لم يتم إعادة اعمارها.
وقد اختارت الأمم المتحدة موضوع هذا العام 2019 "العمل معا لتمكين الأطفال وأسرهم ومجتمعاتهم في سبيل القضاء على الفقر"، حيث يصادف هذا العام الذكرى الثلاثين لاعتماد اتفاقية حقوق الطفل في 20 تشرين الثاني/نوفمبر في 1989. تحدد هذه المعاهدة التاريخية لحقوق الإنسان الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل طفل، بغض النظر عن العرق أو الدين أو القدرات.
والتي تؤكد أن لكل طفل مستوى معيشي لائق لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي، ويأتي الفقر ليؤذي نمو الأطفال، ويؤدي إلى انخفاض الدخل والصحة في مرحلة البلوغ. وعندما يُعترف بفقر الأطفال بحرمانهم من حقوق الإنسان للأطفال، فإن الذين يشغلون مناصب المسؤولية والسلطة ملزمون قانونًا بتعزيز حقوق الطفل وحمايتها وإعمالها. ومن الضروري، قبل كل شيء، الاعتراف بالممارسات التمييزية المحددة التي يعاني منها الطفل، ومن ثم معالجتها.
في فلسطين لن يتم القضاء على الفقر من خلال تقديم المعونات الإغاثية الإنسانية، وإتاحة فرص عمل أو من خلال ضمان توفير المسكن اللائق والصحة والتعليم، وكل تلك الحقوق مهمة واساسية لضمان استمرار الحياة، لكن الأهم هو الاستقرار السياسي ونعني بذلك زوال الاحتلال الإسرائيلي الذي يقوض الاقتصاد الفلسطيني ويسطو على مقدرات وموارد الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير، ويحاصر قطاع غزة والضفة الغربية، وأيضا انهاء الانقسام واتمام المصالحة الفلسطينية ، فمخاطر الفقر ليست متعلقة فقط بالجوع والحرمانـ، بل تطال الكرامة المتأصلة بالإنسان.
بدون ذلك لن تنجح الجهود المحدودة التي تبذل للحد من نسب الفقر، وسيبقى الحال على ما هو عليه من حلول ترقيعيه، بل ستتسع دائرة الفقر المدقع أكثر ما هي عليه الان، وتأثير ذلك على انهيار منظومة القيم والأخلاق وانتشار العنف والجريمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية