على مستوى حساب المقاعد والأصوات أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية تراجعاً كبيراً في قوة حزب «الليكود» والذين انضموا إليه بالمقارنة مع الانتخابات التي جرت في شهر نيسان الماضي. فقد خسر «الليكود» أربعة مقاعد وهبط من 35 مقعداً إلى 31، ولكن الخسارة الفعلية هي أكبر من ذلك بكثير حيث انضم حزب «كولانو» برئاسة موشي كحلون إلى «الليكود» وكانت لديه 4 مقاعد، أي أن مجموع ما كان لدى الحزبين 39 مقعداً انخفضت إلى 31 بخسارة 8 مقاعد، هذا عدا عن الأصوات التي خسرها من انسحاب حزب «زهوت» للمتطرف موشي فيغلين الذي حصل في الانتخابات الماضية على 80 ألف صوت من المفروض أنها ستتحول لحزب «الليكود» بناء على اتفاقه مع فيغلين. وعملياً هبط تمثيل أحزاب اليمين المتطرف من 60 مقعداً، بدون «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، إلى 55 مقعداً، واستفادت من هذه الخسارة القائمة العربية التي حصلت على 13 مقعداً بزيادة 3 مقاعد عن الانتخابات الماضية وليبرمان الذي حصل على 8 مقاعد بثلاثة مقاعد إضافية هو الآخر. وأفرزت الانتخابات وضعاً سياسياً معقداً بعدم قدرة أي طرف على الحصول على 61 مقعداً في الكنيست لكي يتمكن من تشكيل حكومة بدون دعم ليبرمان، الذي يطالب بتشكيل حكومة وحدة واسعة بمشاركة كل من «ازرق- أبيض» و»الليكود».


من مفارقات السياسة الإسرائيلية أن الحزبين الكبيرين يحاولان التهرب من التكليف الأول بتشكيل الحكومة على عكس المرات السابقة. والسبب في ذلك يعود إلى احتمال الفشل ومنح الفرصة للخصم للنجاح في ذلك، فلو كلف الرئيس الإسرائيلي بيني غانتس رئيس تكتل «أزرق- أبيض» على سبيل المثال بتشكيل حكومة فسيفشل بدون دعم ليبرمان وبدون كتلة مانعة من القائمة العربية المشتركة وجمع الإثنين غير ممكن إذا كان الحديث يدور عن حكومة ضيقة بدون « الليكود»، حيث يعتبر ليبرمان العرب عدواً على خلاف نظرته لخصومه من الأحزاب اليهودية الأصولية. وهنا يمكن لـنتنياهو الحصول على فرصة وربما النجاح إذا تغلب على عقبة ليبرمان والأصوليين أو استطاع إغراء عمير بيرتس، مع أن هذا احتمال ضعيف، لأنه في النهاية لا أحد يريد الذهاب إلى انتخابات. بينما لو جرى تكليف نتنياهو أولاً فعلى الأغلب أنه سيفشل بدون «أزرق- ابيض»، وعليه ستكون الفرصة مؤاتية أكثر لغانتس لتشكيل حكومة لأنه في هذا الحالة ستبرز معضلة الأحزاب الدينية التي لا تريد بأي حال أن تبقى في المعارضة ويمكنها أن تنضم لحكومة برئاسة غانتس ضمن شروط معينة. وهناك احتمال حصول انقسام في «الليكود» إذا فشل نتنياهو وقد يذهب قسم منه إلى حكومة مع غانتس، أو ربما قد يتخلى عن نتنياهو.


الآن بعد أن اجتمع الرئيس روبي ريفلين مع كل من نتنياهو الذي أوصى عليه 55 عضو كنيست لتشكيل الحكومة وبيني غانتس الذي أوصى عليه 54 عضو كنيست، وأبلغهم رغبته ورغبة الجمهور الإسرائيلي في تشكيل حكومة مستقرة تتشكل من الحزبين الكبيرين وأحزاب أخرى، وبعد أن اجتمع الاثنان غانتس ونتنياهو على انفراد تم الاتفاق على تعيين شخصين للتفاوض على تشكيل حكومة وحدة، وعلى الرغم من أن نتنياهو قد ابلغ ائتلاف أحزاب اليمين بأنه يفاوض باسمهم جميعاً، فالمفاوضات هي بين «الليكود» و»أزرق- أبيض» وهي بالأساس على من يتولى رئاسة الحكومة أولاً في اتفاق التناوب الذي سيتم بين الطرفين على فرض الاتفاق حول كل القضايا الأخرى وهنا تكمن العقدة والمعضلة الرئيسية.


من الواضح أن نتنياهو يستميت من أجل أن يكون الأول في التناوب، لأن هذا يمنحه فرصة إضافية لتأجيل المحاكمة أو عقد صفقة للخروج من الحكومة مقابل عدم الدخول إلى السجن، بينما لو كان غانتس الأول فسيكون نتنياهو وزيراً في الحكومة وعلى الأغلب سيسجن قبل أن يتولى منصب رئيس الحكومة أو يضطر للاستقالة. وليس واضحاً كيف يمكن حل هذه المعضلة والعقبة الكأداء التي تمنع الاتفاق بين الطرفين في ظل تمسك كل طرف في موقفه. وإذا فشلا فسيكلف نتنياهو بتشكيل حكومة وبعد فشله ستكون فرصة غانتس ربما أكبر.


في كل الأحوال فان الساحة الإسرائيلية مليئة بالتعقيدات التي لا تجعل الاتفاق على أي حكومة هيناً، ويصعب أن تذهب إسرائيل لانتخابات أخرى الكل يخشى منها، وخاصة من إمكانية أن يقوم الجمهور بمعاقبة الأحزاب السياسية على هذا الفشل وربما فقد الثقة بالعملية الانتخابية من الأصل. ولكن أكثر الأمور إيجابية في الانتخابات أنها وحدت الفلسطينيين في إسرائيل وساهمت في زيادة وزن القائمة المشتركة وجعلتهم عاملاً مهماً في تقرير السياسة الإسرائيلية بانتظار أن تزداد قوتهم أكثر فأكثر ويصبحوا أكثر تأثيراً على الحكومة. ومن الأمور التي أثرت على الناخبين الفلسطينيين التحريض الذي مارسه نتنياهو ضدهم، وأيضاً موقف رئيس القائمة أيمن عودة الذي أبدى استعداده للانضمام إلى الحكومة بشروط، مع أن هذا يمثل احتمالاً ضعيفاً جداً، ولكنه عبر عن رغبة الجماهير الفلسطينية في إسرائيل في التأثير على الحلبة السياسية الإسرائيلية وعلى مستقبلها ومصالحها. هذا بدون شك موضوع خلافي، ومع ذلك هناك رغبة شعبية في تغيير طبيعة النشاط فيما يتعلق بدور القائمة المشتركة. وربما تكون هذه الانتخابات مدخلاً لإعادة تقييم عمل الأحزاب والحركات العربية في إسرائيل باتجاه شراكة أكبر مع جهات يهودية متزنة ومؤيدة للسلام والمساواة الكاملة للمواطنين الفلسطينيين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد