الذكرى الحادية والسبعون، للنكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني، تمرُّ هذا العام، بالوقائع ذاتها، التي شهدناها في الذكرى السبعين. إسرائيل تحتفل بما يسمى «عيد الاستقلال»، وكأنهم كانوا قبل ذلك مستعمرين من دولة أخرى. يتناسى الإسرائيليون، أنهم قبل ذلك كانوا شتاتاً في عدد كبير من دول العالم، وأن دولتهم تقوم بوظيفة استعمارية من نوع فريد. لسنا نحن الفلسطينيين من يتساءل حول العمر الافتراضي لدولة الاحتلال، لكن الكثير من كتّابهم ومفكّريهم يتساءلون في كل مرة. قد تنحصر شيئاً فشيئاً أسئلة الإسرائيليين حول العمر الافتراضي لدولتهم المصنعة، والسبب في ذلك، هو النشوة التي تغمر إسرائيل في هذه الفترة، نتيجة ضعف الفلسطينيين والعرب، وعجز المجتمع الدولي. لكن هذه التساؤلات سرعان ما ستظهر بقوة، مع الاندفاعة القوية، لإسرائيل نحو العنصرية، والعنجهية الزائدة.
وفي الطرف الآخر النقيض، يعبر الفلسطينيون في مختلف أماكن تواجدهم عن تمسكهم بحقوقهم التاريخية بأشكال وأساليب مكررة، وعلى أرضية مكررة، أيضاً، حيث الانقسام لا يزال ينهش الهوية والشعب، والقدرة على الصمود والمقاومة.
من حق الفلسطينيين أن يقلقوا بسبب السياسة الأميركية الرعناء فيما يتصل بكل ما له علاقة بحقهم في العودة، سواء بإعادة تعريف اللاجئ، أو بتجفيف موارد « الأونروا »، تمهيداً لإزاحتها عن المشهد القانوني والسياسي، وكل ذلك في سياق مخطط لإنهاء قضية اللاجئين وتوطينهم.
غير أن القلق شيء، والاستسلام لمنطق القوة الباغية شيء آخر تماماً. حتى لو نجحت الولايات المتحدة في تنفيذ مخططاتها وأهدافها إزاء كل ملف حق عودة اللاجئين، فإن هذا الحق ليس رهناً لا بقرارات الأمم المتحدة، ولا بوجود أو غياب «الأونروا»، وإنما يعود الأمر كله للشعب صاحب الحق. واحد وسبعون عاماً، و»الأونروا» موجودة، تقوم بوظيفتها بتثاقل، وتتراجع خدماتها كمياً ونوعياً، منذ فترة طويلة، وقبل بكثير من قرارات إدارة ترامب، والقرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة لا تزال موجودة، فماذا فعل العالم لإنفاذ هذا الحق؟
هذا لا يعني بالمطلق تجاهل مدى أهمية «الأونروا»، أو قرارات الأمم المتحدة، لكن مربط الفرس ليس هنا بالضبط. الأمم المتحدة بما في ذلك الولايات المتحدة، تقر بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم على الأراضي المحتلة عام 1967، فماذا كانت النتيجة؟
تبخّرت فعلياً مقومات تقرير المصير وفق قرارات الأمم المتحدة، لكن من يفعل ذلك لا ينتبه إلى أنه يدفع إسرائيل إلى الهاوية. إن التحالف الأميركي الإسرائيلي عملياً يدفع الأمور نحو الصراع الشامل، على كل الأرض، وكل الحقوق التاريخية الفلسطينية، كما كان الحال منذ قيام دولة إسرائيل. أين سيذهب العالم بثلاثة عشر مليون فلسطيني نصفهم صامدون على الأرض، كل أرض فلسطين التاريخية، ونصفهم الآخر، يقيم في الجوار العربي.
عدد الفلسطينيين يوازي عدد كل يهود العالم، الذين يقيم نصفهم فقط على أرض فلسطين، ومعظمهم يحتفظون بجوازاتهم وجنسياتهم الأصلية.
الفلسطيني، أينما ذهب، ومهما حمل من جوازات وجنسيات يظل يعلن عن نفسه ويفتخر بأنه فلسطيني. شيء عجيب تحدث عنه الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي، وآخرون، لكن إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة، ونفوذ ودعم أميركي وغربي لم تنجح في إقناع يهود الولايات المتحدة، بأن يذهبوا للإقامة في فلسطين. لعلّ هؤلاء، يدركون بعمق، المصير الذي يواجه دولة لا أمل لها في أن تكون جزءاً من محيطها العربي، ولا حلّ لها، إلاّ بمواصلة السياسة الاستعمارية وامتلاك القوة، التي تعتقد أنها قادرة، ويمكن أن تؤمن لإسرائيل الاستقرار والأمن على هذه الأرض إلى الأبد.
فليجادلني أحد بحقيقة أن قوة إسرائيل مرتبطة بزمن تسيد الولايات المتحدة على النظام العالمي، وامتلاكها ما تحوز عليه من عوامل القوة. لا النظام العالمي القائم حالياً سيظل إلى الأبد، ولا الولايات المتحدة كإمبراطورية، قادرة على أن تظل بهذه القوة إلى الأبد.
وإلى حين يستقر النظام العالمي على أسس مختلفة لا تعطي الولايات المتحدة، هذه المكانة والقدرة، فإن إسرائيل تتكفل بالباقي، إذ ان الزمن الذي يستغرقه قيام نظام عالمي جديد ومختلف هو الزمن الذي ستصبح فيه إسرائيل دول معزولة ومنبوذة من المجتمع الدولي بسبب طبيعتها العنصرية العدوانية. لقد استقر نظام العنصرية في جنوب افريقيا فترة طويلة، وكان مدعوماً من قبل القوى الاستعمارية العالمية، لكن العالم، بما في ذلك الاستعماري لم يعد قادراً على حتى التواطؤ مع عنصرية البيض في جنوب افريقيا، وما هي إلا سنوات قليلة حتى انهار ذلك النظام. على أن هذه الرؤية التي تبدو وكأنها تستند إلى القدرية، لا تعني أن على الفلسطينيين أن يناموا على حرير أحلام، ذلك أن المسألة هنا تتصل، برؤية استراتيجية فلسطينية تقوم على المقاومة والصمود، واختصار الزمن والتكاليف. واقعياً فإن الفلسطينيين بما هم عليه اليوم من انقسام، يضاعفون تكاليف تحقيق أهدافهم الوطنية التاريخية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية