عائلات غزة تستقبل رمضان بحسرة النكبة
على بُعد أمتار من المحلات التجارية يقف أصحابها على الأطلال لتفقد الردم والحجارة المتبقية من محلاتهم بعد استهدافها مباشرةً من الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال العدوان الأخير الذي استمر طيلة ثلاثة أيام.
ستة طوابق وأربعة محلات تجارية تتنوع ما بين محلات نسائية ومحلات أطفال يغطيها الركام في عمارة الخزندار بحي الرمال وسط القطاع وكانت هدفاً لصواريخ الاحتلال على أبواب رمضان.
محمود النخالة مالك إحدى المحال المدمرة والمعروف بـ "سمرا" يحاول رصد الأضرار التي قضت على موسم بيعه بجانب والده بعد رحلة ترويج استمرت لأربعة سنوات متواصلة.
" كنا نحضر البضائع لموسم البيع في رمضان و عيد الفطر باعتبارهما الموسمين الأكثر بيعاً لتجار غزة ، تفاجئنا باستهداف العمارة بصواريخ تحذيرية، حاولنا الهروب بأرواحنا خلال لحظات"، يصف النخالة لحظة استهداف المبنى ويتابع:" عدت بعد حين لأجد المحل وما فيه من بضاعة تقدر بـ 50 ألف دولار مدفون تحت أنقاض المبنى".
اهتم النخالة على تأسيس محله كما لو كان طفله، منذ لحظات تشطيبه وحتى اختيار البضاعة "استلمت المحل بدون تشطيب وواصلت العمل عليه لسنوات واخترت بضاعة جديدة لإنعاش السوق لكن العدوان استهدف كل شيء بشكل مباشر وبدون مراوغة".
على ذات الرصيف عبّر صبحي الخزندار عن "اللاقانونية" في استهداف المنشآت المدنية، وهو باحث قانوني وصاحب متجر الخزندار الذي كان أيضاً من أهداف الطائرات الإسرائيلية.
يقول الخزندار:" إسرائيل بقصفها للمحلات التجارية والمنشآت السكنية تنتهك القانون الدولي الذي تتذرع بحمايته وتطبيقه، كما تنتهك قانون الملائمة العسكرية الذي يجرم استهداف مناطق مدنية بحجة الوصول لهدف عسكري".
سجلت عمارة الخزندار أضراراً بالغة تقدر بالملايين، وبرغم هروب المتواجدين فيها إلا أن الحسرة لا تغني عن سنوات عمل طالت لبناء ما تم قصفه بلحظات.
ولم تكتفي الطائرات الإسرائيلية بقصف المحلات التجارية فحسب، بل جاوزته لاستهداف مبانٍ سكنية ومنازل مواطنين عزّل، لت فتح موجة نزوح جديدة لـ 520 مواطناً من بينهم الأطفال والنساء بتدميرها 75 وحدة سكنية تدميراً كلياً و420 وحدة أخرى سجلت أضراراً جزئية، وفقاً لإحصاءات الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
عدد من العائلات خسرت منازلها جراء قصف برج أبو قمر السكني في اليوم الأخير من العدوان، بعضهم ظل ساكناً يترقب العودة لمنزله قريباً وكأن مشهد القصف كان حلماً.
عائلة المهندس خالد عيسى إحدى هذه العائلات التي داهمها خبر الإخلاء، جلس مع زوجته ينتظران لحظة انتشال أي من بقايا منزلهما المدمر، 10 أطفال للعائلة شهدوا سوياً تدمير منزلهم.
يؤكد عيسى بأن المبنى كافة سكانه من المدنيين وبعض الشقق غير مأهولة بالسكان حتى لحظة قصفه بصاروخين إف16 دمرا أساسات المبنى وجعلت جزءاً منه ينهدم على الشارع المحاذي والجزء الآخر استقر على بيوت جيرانه.
وتأبى ذاكرة المنكوبين بقبول لحظة قصف المبنى، عزمي دغمش صاحب المحال التجارية في المبنى وبعض الشقق السكنية فيه وصف الأمر بأنه "غير قابل للتصديق" فالخسائر المالية التي شهدها تقدر بآلاف الدنانير وأضاعت عمل عمره بالكامل.
لم يتردد دغمش لدعوة الجميع للتضامن والوقوف يداً بيد لإنهاء الانقسام والتوحد تحت كلمة واحدة تعبر عن الكل الفلسطيني لرؤيته التي يتبناها الشارع الفلسطيني بأن الانقسام هو السبب الرئيس بجرأة العدو للتعرض للقطاع.
في الجهة الخلفية من برج أبو قمر يجلس الجار نافذ الوحيدي، يشاهد أهالي البرج وهم يحاولون استصراخ الجهات المعنية بالمسارعة في إعادة إعمار المبنى، يفصل بين ثلاثة طوابق من منزله وبين المبنى المستهدف ستة أمتار فقط، إلا أن نصيبه من الدمار كان بمقدار دمار المبنى بأكمله.
"أصبح المنزل أثراً بعد عين"، هكذا وصف الوحيدي ما لحق بمنزله ومنازل جيرانه، ويضيف:" الآن مهمة الناس البحث عن ملكها وأثاثها وممتلكاتها".
لم يحتفل أطفال الوحيدي بقدوم رمضان كجيرانه، وهكذا بدأت مراسم الصوم في غزة بين الصواريخ والركام تارة وبين البحث عن مستقر لعائلات هُجرت من بيوتها قصراً لتعيدنا الذاكرة إلى قصص النكبة لكنها هذه المرة أكثر حداثة.