لا يرضي ما تتعرض له مصر الكبيرة، كل من كان لديه شعور ولو متدنيا بالوطنية والقومية، ولا تفسير لما يجري، سوى أنه تنفيذ لمخططات جهنمية تبدأ في واشنطن وتمر على إسرائيل، ولا تتوقف إلاّ لتشمل في طريقها بعض الدول العربية المرتهنة لمخططات الأجنبي، والكثير من الجماعات الإسلامية المتطرفة والتكفيرية.
اليوم الذي كان المصريون يحضرون للاحتفال به، لمناسبة الذكرى الرابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير، كان هو اليوم الذي اختارته الجماعات التي تسرق أحلام المصريين، لتصعيد العنف الداخلي، ضد النظام والجيش والأجهزة الأمنية، وضد الشعب المصري.
عشرات الشهداء والجرحى من أفراد القوات المسلحة المصرية، الذين تعرضوا لهجوم إجرامي غادر، ومرفوض بكل المعايير، كان العنوان الأبرز لمرحلة التصعيد العبثي الذي يستهدف إعادة عجلة التاريخ إلى الخلف.
الفلسطينيون الذين يتعرضون لأبشع أشكال الإرهاب الصهيوني، ويحفظون عن ظهر قلب كل تضحيات الشعب والجيش المصري، في فلسطين ومن أجلها، لا يمكن إلاّ أن يدينوا ويرفضوا بحزم، ما يجري على الساحة المصرية من عنف أسود، ومن مخططات جهنمية تستهدف تدمير مصر، وتفتيتها، وإزاحتها عن الطريق لاستكمال مخططاتهم في المنطقة بأسرها.
كان من الطبيعي ألا تتأخر الفصائل الفلسطينية في الإعلان عن استنكارها وإدانتها للمذبحة التي تعرض لها جنود من الجيش المصري في منطقة العريش، ولكنها في ذات الوقت، أعربت عن رفضها واستنكارها لقرار محكمة، القضايا المستعجلة، بوضع كتائب عز الدين القسام على لائحة الإرهاب.
لا نعلم بالضبط ماهية القرائن، ونوعها التي استندت إليها المحكمة المصرية لتبرير قرارها بحق الفصيل الأقوى والأهم من فصائل المقاومة والفصيل الذي دفع آلاف الشهداء والجرحى على مذبح مقاومة الاحتلال ولا يزال.
وبغض النظر عن نوع هذه القرائن ومستوى خطورتها ومصداقيتها، فإن قرار المحكمة ينطوي على أبعاد خطيرة، وشديدة السلبية على المقاومة الفلسطينية، وبالتالي على الشعب الفلسطيني.
الغريب في الأمر أن يصدر هذا القرار فيما يبدو أنه رد فعل مستعجل على مجزرة العريش، بينما «بيت المقدس»، و»داعش»، هما من أعلنتا مسؤوليتهما عن تلك المجزرة.
لنفترض، ونحن لسنا متأكدين أن ثمة بعض العناصر الفلسطينية من كتائب القسام أو من غيره من الفصائل، شاركت على نحو أو آخر في أحداث العنف المدان، وفي هذه الحالة كان من الأفضل أن يتعامل القضاء المصري مع هذه الحالات، بما يتفق والقانون المصري، ولن يجد اعتراضاً من أحد.
وفي المقابل لا يمكن تبرير أي ردود فعل مستعجلة من قبل حركة حماس أو من كتائب القسام، والأفضل البحث عن حلول قابلة لترميم العلاقات بين الحركة ومصر، ونظن أن «حماس» تجتهد لتحقيق ذلك، ولا ترغب بأن تجد نفسها في حالة اشتباك سلبي مع مصر.
تدرك «حماس» كما يدرك غيرها من الفلسطينيين، أن العلاقة بين مصر وفلسطين هي علاقة الضرورة التاريخية التي لا يمكن لأحد أن يتجاهلها أو أن يغامر بتجاوزها ولذلك استدركت «حماس» بنفي ما جاء على لسان أحد الناطقين، من أن الحركة ستتوقف عن الاعتماد على دور مصر الوسيط فيما يتعلق بملفات فلسطينية إسرائيلية.
أول الحلول هو في أن يتم تكليف محامين أكفاء للاستئناف على قرار محكمة القضايا المستعجلة، وأن يجري الاتصال والتواصل مع المستويات السياسية والأمنية، لتدارك إمكانية تبني قرار المحكمة والعمل به.
على أن أهم الحلول يكمن في دفع عجلة المصالحة الوطنية الفلسطينية، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات على طاولة الحوار الداخلي، ذلك أن المؤسسة الوطنية الواحدة الموحدة هي القادرة على التعامل مع المحيط العربي على النحو الذي يخدم القضية الفلسطينية، ويحمل الكل الوطني، ويعيد صياغة العلاقات مع الأشقاء العرب على نحو يخدم مصالح الطرفين.
وفي هذا الإطار أيضاً، يترتب على حركة حماس أن تعمق نهجها الوطني وأن تتمثل تجربة حركة النهضة التونسية في العلاقة بين الوطني والقومي والأممي، ذلك أن الأسئلة التي تطرحها هذه العلاقة، تزداد تعقيداً وتشابكاً، وربما تؤدي الإجابة الخاطئة عنها إلى اختلالات سياسية غير ضرورية وغير مرغوبة.
فمثلاً، تسعى حركة حماس بشدة لاستعادة وتقوية علاقتها بإيران و»حزب الله»، المتحالفين مع سورية، التي تخوض صراعاً دموياً مريراً مع المعارضة، التي تشكل الجماعات الإسلامية أغلبيتها، وأشدها عنفاً.
وإيران استنكرت على لسان رئيس هيئة أركان الجيش ما وقع بحق الجيش المصري في سيناء، فكيف يمكن لحركة حماس أن تفض هذا التشابك بين حاجتها عن قناعة بتقوية علاقتها مع إيران، بدون أن تظهر على نحو ملموس وواضح، استقلاليتها، وأولوية التزاماتها الوطنية؟ الإجابة عن مثل هذه الأسئلة المعقدة، يحتاج إلى تغليب العقل السياسي، على العقل العقائدي، وتقديم المصالح الوطنية على غيرها، فمن لا ينفع أهله ووطنه لا ينجح في تقديم النفع للآخرين.
ما يجري في مصر، يقدم الصورة أكثر وضوحاً إزاء المخططات التي تجري حياكتها في الولايات المتحدة، تجاه المنطقة بأسرها، ذلك أن نجاح هذه المخططات، ضد مصر، سيشكل بداية الانهيار الكامل للنظام العربي، وللوحدات الجيوسياسية التي لا تزال حصينة إزاء هذه المخططات.
لذلك تستحق مصر الدعم، كل الدعم، وهو ما بادر إليه عن وعي عميق العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ودول الخليج الأخرى باستثناء قطر، التي خرجت عن الصف إلى سابق عهدها، ما أن ووري الراحل التراب.
ليس لدى أي دولة عربية حصانة، من هذه المخططات، ويخطئ أي زعيم أو رئيس أو ملك عربي إن اعتقد أن توثيق علاقته بواشنطن سيكون سبيلاً للخلاص، وتجنب الكارثة.
إذا كان من كلمة أخيرة، فهي أننا نطالب الأشقاء المصريين التروي، وإلى حين معالجة الأزمة، على نحو يراعي مصالح فلسطين ومصر، أن يتم الفصل بين الأبعاد السياسية والأبعاد الإنسانية، ومراعاة حاجات وحقوق ما يقرب من مليوني فلسطيني في قطاع غزة ، يعانون أشد المعاناة، جراء إغلاق معبر رفح .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية