عملية العريش التي قتل وأصيب فيها نحو مائة من ضباط وجنود الجيش والشرطة المصرية هي جريمة موجعة ومؤلمة جارحة حتى العظم ,ومهينة لاكبر جيش عربي .
لم تكن هذه العملية " البطولية جدا" التي قام بها مسلحو انصار بيت المقدس هي الأولى , وليس في الأفق ما يؤشر على انها الاخيرة . فقد سبقتها عملية إبادة ستة عشر جنديا قبل ساعة من موعد الافطار في شهر رمضان المبارك , ثم تفجير مقر أمن الدقهلية ثم قتل وسحل جندي في رفح وقتل سائق تاكسي وحرق سيارته في المنصورة أعقبها عملية كرم القواديس وبعدها عملية دمياط البحرية .. في الاثناء ومع كل تظاهرة "سلمية" للاخوان كان يرافقها عمليات حرق وتدمير للمؤسسات العامة ووسائل النقل العام ومولدات الكهرباء في الشوارع وكل ما تطاله أيديهم .وفي كل مرة يفاخر المهاجمون أنهم فاجأوا وسجلوا "انتصارا" جديدا ولو رمزيا وان كان مخجلا بكل المقاييس أيضا .
هل يمكن أن ندرج تلك العمليات تحت خانة الدفاع عن الدين أو على طريق تحرير المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك مثلا ؟ !
سيناء التي كانت هادئة وديعة طوال فترة احتلالها , كيف لها أن تشتعل في وجه الجيش الذي حررها ؟
يبدو أن تلك العمليات لا هدف منها ولا غاية لاصحابها سوى إعادة مرسي إلى القصر.
أيا ما كان الأمر , فان مصر تواجه تحديات امنية لم تتجمع بهذا القدر من التركيز والخطورة من قبل . الاكيد أن الجماعة التي خطفت مصر لمدة عام وضعت الشعب أمام أحد خيارين : إما عودتهم إلى الحكم أو الدمار والخراب والقتل .بما يؤكد أن استقرار الاوضاع يحتاج إلى وقت ليس بالقصير ,سيدفع المصريون خلاله ثمن إصرار فصيل على أن يظل اللاعب الرئيس على المسرح السياسي رغم فشله عندما كان لاعبا وحيدا.
كلما تظاهر الاخوان لإعادة مرسي إلى القصر زاد إصرار الناس على محاكمته , وكلما نظموا المسيرات للافراج عن المعتقلين أعطوا السلطة مبررا لزيادة اعدادهم . يهتفون ضد حكم العسكر فيزيد اقتناع الناس بان مصر لا يصلح معها إلا حكم العسكر . يخرجون لمعارضة الاجراءات الاستثنائية فيمنحونها غطاء شرعيا .
ومع ذلك ثمة من يعتقد انه عندما يقتل جنديا فانه ذاهب إلى الشهادة ودخول الجنة .! لم لا ؟ فالذين قتلوا الحسين حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوه وفي ظنهم أنهم ذاهبون إلى الجنة أيضا , وليس إلى السلطة . جعلوا الخيل تدوس جسده الطاهر بحوافرها . فصلوا رأسه الشريفة عن جسده ورفعوه على أسنة الرماح. وقبله وبعده أريقت دماء كثيرة طاهرة , باسم الدين , وما زالت .
على أي حال , فان بشاعة الجريمة لا تمنعنا من القول ان هذه العمليات تستدعي الظن أن اختراقا امنيا مكّن الارهابيين من تنفيذ عملياتهم دون أن يسجل الجيش ولو إصابة واحدة بين المهاجمين للوصول إلى هويتهم وأماكن قواعدهم التي انطلقوا منها ,الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في طريقة المواجهة والخطط الاستراتيجية اللازمة لمواجهة إرهاب منظم بهذا الحجم . والانتقال من اسلوب الكمائن الثابتة إلى المتحركة .
فالاولى وفق الدروس العسكرية البدائية تشكل هدفا سهلا للمهاجمين فيما الثانية يكون لديها القدرة على المناورة والمباغتة , فليس من الحكمة – كما يقول انشتاين – أن تفعل الشئ نفسه مرتين وبنفس الاسلوب وتنتظر نتائج مختلفة .
الأكيد ,أن هناك ضحايا آخرين لهذه العملية لم يسجلوا بعد في قوائم الشهداء والمصابين ,هم مرضى قطاع غزة وأهله الذين ينتظرون منذ زمن بعيد احدا ما يعلن نهاية لحصار طال واستطال أكثر مما ينبغي .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية