حتى لو افترضنا جدلا بأن استطلاعات الرأي الخاصة بانتخابات الكنيست الإسرائيلي الحادي والعشرين قد تحققت، وتقدمت قائمة أزرق - أبيض على قائمة الليكود، فإن حظوظ يسار - الوسط بالنجاح في تشكيل الحكومة القادمة تبدو ضئيلة للغاية، بالنظر إلى أن كل استطلاعات الرأي أجمعت على أن قوائم اليمين ستحقق الفوز في نتيجة الانتخابات، وهذا أمر غير مفاجئ على الإطلاق نظراً إلى أن المجتمع الإسرائيلي قد تحول نحو اليمين منذ أكثر من ثلاثة عقود بشكل متطرف وإلى تحالف الأحزاب الدينية مع اليمين العلماني وناخبي المحتلين المستوطنين، بكل ما يعنيه ذلك من السير على نهج سياسة الاستعمار والاحتلال ونفي الآخر، ومجمل ما اتبعته حكومات اليمين - اليمين المتطرف السابقة إن كان على صعيد العلاقة مع السلطة الفلسطينية أو مع فلسطينيي/إسرائيل وصولا إلى الإفصاح عن ضم الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة ( القدس والجولان والضفة الغربية) وفي الوقت ذاته عن إقرار قانون القومية العنصري، يؤكد هذا المنحى.
وهذا يعني أن حكومة اليمين - اليمين المتطرف القادمة، ستتولى مهمة تنفيذ صفقة ترامب فور إعلانها، وبالترجمة العملية، الشروع في زرع ربع مليون مستوطن في هضبة الجولان، وفي ضم مستوطنات الضفة الغربية، بما يعني عمليا تفتيت الوحدة الجغرافية - السياسية للضفة الفلسطينية، وبما يعني أيضا الدفع بنحو مليون إسرائيلي احتلالي يميني جدا ومتطرف جدا للدخول من أوسع الأبواب إلى المجتمع الإسرائيلي، وكذلك تطبيق القانون الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية دون السكان بالطبع، وباختصار فإن الثنائي ترامب - نتنياهو سيختمان بذلك عهد الاستعمار والحرب الباردة، بالاحتفاظ بنتائج الحرب بين إسرائيل والعرب، بشكل فيه إهانة بالغة للمجتمع الدولي بأسره، وليس للفلسطينيين والعرب وحسب.
ولأنه لا يمكن النظر للصراع الفلسطيني/الإسرائيلي بمعزل عن الصراع الإقليمي فإنه يمكن المقارنة بين ما حدث في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين في الشرق الأوسط بما حدث من قبل خلال العشرية الأخيرة من القرن العشرين في شرق أوروبا، أي بعد انتهاء الحرب الباردة مباشرة، وحيث إن شرق أوروبا كان جزءا أساسيا من الحرب الباردة، باعتبار أنه كان ضمن تحالف الشرق الاشتراكي، فإن انتهاء الحرب الباردة ترافق مع سقوط متتابع للأنظمة الشيوعية في تلك البلدان، وإن كان ذلك قد حدث بشكل مختلف من بلد لآخر، فحيث إنه قد حدث في بعض البلاد دون إراقة الدماء فإنه ترافق في بعضها مع حروب طاحنة، قادتها الولايات المتحدة وحلف الناتو، حيث كانت الحرب في كوسوفو والبوسنة والهرسك، الناجمة عن تفكك الاتحاد اليوغوسلافي السابق، دموية جدا، تماما كما حدث مع ما سمي الربيع العربي.
فقد سقط نظاما الحكم في تونس ومصر بثورة شعبية قرنفلية دون إراقة أي دماء تذكر، في حين كان التحول في اليمن وليبيا دمويا جدا، وكذلك في سورية، المهم أن المقارنة هذه لا تعنينا فقط من زاوية تدخل الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي ومعهما حلفاؤهما الإقليميون من دول عربية تعتمد نظام الحكم الرأسمالي وحسب، بل النتائج التي تمخضت عنها تلك الثورات التي وعدت الناس بالديمقراطية والنمو والرفاه الاجتماعي.
من يلقي نظرة اليوم على دول أوروبا الشرقية يعلم جيدا، أنها قد ازدادت فقرا، بل إن الرأسمال العالمي قد تغوّل بعد انتهاء الحرب الباردة، ويكفي هنا أن نشير إلى ظهور المليارديرات الذين يتحكمون باقتصاد العالم، دون أن يقودوا أو يتولوا إدارة مراكز إنتاج، بل إدارة سوق، وأن نلاحظ أن بعض الأفراد اليوم يمتلكون أموالاً تضاهي ميزانيات دول، بالمقابل فإن ما كان قد ظهر في السنوات الأولى التي تلت انتهاء الحرب الباردة من أن أميركا قد صارت القوة الوحيدة في العالم، سرعان ما تراجع خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تباعاً.
فقد ظهر الاقتصاد كمنافس للقوة العسكرية، هذا أولا وثانيا، ظهر إلى جانب ثروة وقوة الأفراد الاقتصادية المرتبطة بظهور قطاعات إنتاج مرتبطة بالخدمة وليس بالسلعة من مثل ما يتعلق ببرامج الاتصالات من سوفت وجوجل وواتساب وفيسبوك وحتى شركات الفضاء، ظهر إلى جانب هؤلاء اقتصاد الدول التي اعتمدت على تنمية القوة البشرية خاصة في شرق آسيا، وبعد سنوات من انكفاء الصين، ومن تبعية روسيا - يلتسين، للغرب ولأميركا بالتحديد، عادت روسيا لتشكل قوة عسكرية/اقتصادية بثرواتها من نفط وغاز، كذلك الصين بقوتها العسكرية/النووية ونموها الاقتصادي المهول، ثم ظهر الاتحاد الأوروبي وإن كان بشكل متعثر كقوة سياسية عالمية ليست في جيب أميركا بكل صغيرة وكبيرة دولية، لكن المهم هو من الذي نافس أميركا على إعادة السيطرة على شرق أوروبا.
بالطبع كان من الطبيعي أن تخرج ألمانيا بنصفها الشرقي، ثم أن تنافس ألمانيا باقتصادها القوي أميركا في معظم دول القارة وأن تستعين بفرنسا، وما زال الصراع بين الطرفين واضحا، وصولا إلى الضغط الأميركي على بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي لإفشاله كمشروع مستقل عنها، أو كمشروع  يهدف لإنهاء تبعية أوروبا لها.
في الشرق الأوسط، هناك صراع محموم بين إيطاليا وفرنسا على ليبيا، وهناك صراع آخر بين السعودية وإيران على اليمن، وهناك حرب ما زالت تستعر بين إسرائيل وإيران حول سورية، وقد أرادت إسرائيل بدعم أميركي الخروج من مولد سورية بحمص الجولان، لكن المهم أن كلا من إيران وتركيا وإسرائيل، تضاف إليها روسيا، هي من تتصارع على النفوذ في الشرق الأوسط ما بعد الانتهاء من إعادة ترتيبه، لكن ما هي إلا سنوات قليلة ويتغير كل شيء، ذلك أن إسرائيل حتى لو احتفظت بالأرض الفلسطينية والسورية، فإنها ستكون مطالبة بالتحول إلى "دولة طبيعية" في المنطقة، فشعوب الشرق الأوسط كما كل شعوب العالم، لن تقبل وهي تسير قدما إلى المستقبل بظواهر الاستبداد والتحكم والقهر، وكل مظاهر الاحتجاج الشعبي الحالي ستتحول إلى ثورة عالمية ضد نظام انعدام العدالة الاجتماعية والتمييز بين البشر، الناجم عن تمركز الثروة العالمية بيد أفراد ومؤسسات، فيما نصف مواطني العالم يتضورون جوعاً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد