حتى قبل الحملة الانتخابية في الدولة العبرية، كان خصوم نتنياهو يدعون أنه ليس هناك سياسة إسرائيلية حيال قطاع غزة ، وزاد هذا الادعاء من قبل ساسة ورجال أمن وممثلين سياسيين أثناء الحملة الانتخابية، مع أن كافة الدلائل تشير إلى أن هناك سياسة إسرائيلية واضحة إزاء قطاع غزة أمكن ملاحظتها من خلال جملة من التصريحات المترافقة مع إجراءات وقرارات خاصة من قبل حكومات نتنياهو المتعاقبة، تصريحات نتنياهو الأخيرة، والتي عزّزت من أقواله ومواقفه السابقة، هذه السياسة بشكل لا يقبل الغموض والتشكيك، ليس فقط لأنه بالغ السعادة باستمرار الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، بل لأن سياسته هي التي أدت إلى هذا الانقسام وأدامته. خطته لفصل غزة عن الضفة تشكل جوهر هذه السياسة التي أيضاً تضع حداً لأي محاولة لتنفيذ «حل الدولتين» وقطع الطريق عليها بموازاة جهوده الرامية إلى التوصل إلى تهدئة مع القطاع، بالترافق مع التهديد بالتصعيد والحرب، ودون الوصول إلى شن حرب برية، ليس لأنه يخشى من عواقبها ولكن لأن أحداً من الدول المجاورة لا يتحمل مسؤولية القطاع بعد اليوم التالي لانسحاب إسرائيل من القطاع بعد احتلاله برياً!
نجحت سياسة نتنياهو، حتى قبل الحملة الانتخابية، في تحييد السلطة الوطنية الفلسطينية عن أي تفاهمات أمنية وسياسية وإنسانية، حول قطاع غزة، وظلت الخطوط مفتوحة مع حركة حماس عبر وسطاء إقليميين ودوليين بهدف التوصل إلى تهدئة مقابل تهدئة. هؤلاء الوسطاء لا يتوقف دورهم عند الوساطة، بل وباعتبارهم الضامنين لهذه التهدئة عليهم التعاون بإعادة إعمار قطاع غزة وإقامة مشاريع البنية التحتية بهدف تحسين الأوضاع المعيشية. جولة عدد غير مسبوق من ممثلي عدة دول في قطاع غزة قبل أيام قليلة والسماح بضخّ المزيد من الأموال القطرية عبر القناة الإسرائيلية نموذج لهذا الدور العربي والإقليمي، وذلك في سياق صفقة ترامب وزيارة كل من جاريد كوشنير مستشار الرئيس ترامب وجايسون غرينبلات إلى دول خليجية أواخر شباط الماضي إلى عدة دول خليجية، لهدف معلن وهو تسويق « صفقة القرن » وتمويلها من قبل هذه الدول، أحد أبرز الدلائل على أن السياسة الإسرائيلية حول قطاع غزة باتت إحدى أهم بنود «صفقة القرن» في سياق فصل القطاع عن الضفة الغربية، ما يعزز قيام دولة في القطاع.
في مقابلته مع صحيفة «يسرائيل هيوم» إثر عودته من واشنطن واجتماعه مع ترامب، تقدم نتنياهو بثلاث «لاءات» قال إنه أبلغها للرئيس الأميركي وكوشنير وغرينبلات: لا للحديث عن المستوطنات في ظل أي تسوية أو صفقة، لا لأي حديث عن الحدّ من السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ولا لتقسيم القدس . أما حديثه عن قطاع غزة، فظلّ في سياق سياسته التي تحدثنا عنها: لن يسلمها إلى أبو مازن، وربما تشكل هذه الأقوال دليلاً عن أن هذه السياسة إزاء قطاع غزة، باتت قيد التنفيذ الفعلي، خطوة خطوة، ما يجعل كل الاهتمام حول الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
كثّف الكاتب الإسرائيلي في «معاريف» بن كسبيت سياسة نتنياهو حول قطاع غزة بالقول إن رئيس الحكومة يحافظ على «حماس» لأنه لا يراها العدو الحقيقي، بل يعتبر أن السلطة الوطنية هي العدو، وأن أولوياته ليس غلاف غزة بل رام الله والقدس و نابلس والخليل، وهو مستعد للتخلّي عن غزة من أجل تشديد قبضته في الضفة الغربية، فهو ـ نتنياهو ـ صبور في غزة، وبراغماتي ويتمكن من ضبط أعصابه ويبتعد عن المغامرة في قطاع غزة، بينما يعتبر أن المعركة الأساسية هي في الضفة الغربية («معاريف» 26/3/2019).
في مواجهة هذه السياسة، سواء في قطاع غزة أم الضفة الغربية بما فيها القدس، لا نعتقد أن هناك إمكانية واقعية للتصدي لهذا المخطط من قبل الجانب الفلسطيني المنقسم إلى حد المواجهة والتحريض وتحميل كل طرف مسؤولية الواقع المتأزّم على الآخرين، وفي ظل أجندات فئوية فصائلية ترتبط أحياناً بأجندات عربية وإقليمية تحول دون القدرة على مواجهة الأزمة الداخلية العميقة وتجسر الهوّة بين المختلفين المتخاصمين، ما يجعل السياسة الإسرائيلية تتقدم خطوات فعالة وتهيئ لـ «صفقة القرن» القدرة على المرور والنفاذ!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية