اجتمع أبراهام بورغ، رئيس الكنيست سابقاً والسياسي الإسرائيلي الذي يعرف نفسه بأنه من اليسار الجديد بمجموعة من الصحافيين والكتاب الفلسطينيين قبل حوالي أسبوع في رام الله . بورغ الذي اعتزل السياسة قبل عشر سنوات قال إن قراره جاء بعد قناعته أنه جزء من منظومة لا يستطيع الدفاع عنها، وقد أمضى السنوات الأخيرة في الكتابة والتفكير والتأمل وصولاً إلى استنتاجات لا يستخف بها.
من أهم استنتاجات السيد بورغ أن اليسار في إسرائيل فشل ولن يعود إلى سابق عهده من التأثير لأنه محكوم بالفكر الصهيوني التقليدي وأسير نتائج أوسلو التي، وحسب بورغ، حبست واقع الاحتلال خلف حدود حياة الإسرائيليين وجعلت استمراره سهلاً بل أساسياً لاستمرار الوضع الراهن. وقد ألمح السياسي المحنك هذا أنه لا يرى جدوى لاستمرار الحديث في إطار حل الدولتين لأن الواقع الراسخ اليوم هو واقع دولة تتمتع فيه مجموعة بحقوق المواطنة بينما تحرم مجموعة أخرى، أي نحن الفلسطينيون، من أي حقوق. ومع ذلك، طرح بورغ معادلة مغايرة للدولة الواحدة كحل للصراع وقد قسمها إلى ثلاثة "طوابق" كما وصفها. الأول يحكم فيه اليهود أنفسهم في أماكن تواجدهم والفلسطينيون أنفسهم في أماكن تواجدهم. الثاني يكون لتنسيق هذه الجهات الأمور المشتركة والثالث يكون إطاراً يحكم الوضع العام في صورة أشبه بالكونفدرالية.
وبغض النظر عن نجاعة رؤية بورغ الجديدة من عدمها (وأنا شخصياً أرى فيها استسلاماً للواقع الاستعماري العنصري لإسرائيل)، فيحق لنا التساؤل أين نحن من هذه الاستنتاجات والأطروحات التي ستلاقي آذاناً صاغية في المجتمع الدولي؟ هل نحن حقاً نواكب التغييرات التي تحدث من حولنا ومستعدون لمواجهة الفكر بمثله والطرح بغيره؟
ومن ضمن التحولات التي تحدث أيضاً تشكيل قائمة عربية واحدة ستتنافس للمرة الأولى ككتلة موحدة مع الأحزاب الصهيونية على مقاعد الكنيست خلال شهرين. هذا تحول استراتيجي يعكس مستوى جديداً من الوعي السياسي الذي يمكن وللمرة الأولى أن يعطي الصوت الفلسطيني العربي ثقلاً مؤثراً في الكنيست. إن خطوة كهذه يمكن أن تقنع من يشاركون الآن في التصويت لأحزاب صهيونية مثل الليكود، أو بعضهم، بوجود بديل وطني ومنطقي متحرر من متلازمة النقص يدافع من خلاله عن حقوقهم ووجودهم الأصيل على أرضهم وأرض أجدادهم.
وبالعودة إلى التساؤلات المطروحة، يبدو جلياً أن الواقع السياسي الفلسطيني يعاني من أزمة جمود فكري تشبه الشلل، بحيث لا نجد على الساحة من يطرح ما يمكن أن يناقشه الآخرون بل تكتفي قيادات العمل السياسي بإبداء الرأي فيما يحدث من متغيرات وحول ما يستجد من تغييرات، وبذلك يتمترسون في مربع المفعول به بدل الفاعل. وبالإضافة للشلل في الطرح أو الفكر السياسي، تعاني حالتنا السياسية من تكلّس في المفاهيم، حيث ما زال البعض يعتقد أن فتح حوار مع الدجالين المتطرفين أمثال ليفني ودعم طرح أحزاب إسرائيلية تدعي الاعتدال، يمكن أن يأتي بنتيجة أو أن يكسر الجمود السياسي وهو اليوم أقرب إلى المواجهة منه إلى الجمود. هناك أيضاً من يظن أن حواراً مع الأحزاب الإسرائيلية، بما في ذلك اليمينية منها، يمكن أن يغير المفاهيم ويفتح الآفاق رغم أنه لا يشكل سوى ورقة توت يستر بها هؤلاء عنصريتهم وعدوانيتهم وصلفهم.
الواقع السياسي حولنا يتغير بسرعة وبشكل دراماتيكي. حريٌ بنا أن تستوقفنا هذه التغييرات وتدفعنا إلى أخذ زمام المبادرة الفكرية والسياسية بدل أن نسرع للتكيف مع المتغيرات، في استمرار لدور المفعول به.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية