قبل حوالي عام، وتحديداً في 13/12/2013، أعلن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن إلغاء «مخطط برافر» بعد أن أثار هذا المخطط الجماهير العربية في إسرائيل خاصة لدى بدو النقب الذين استهدف هذا المخطط الاستيلاء على 800 دونم من أراضيهم، التظاهرات التي عمت عموم المناطق ذات السكان والمواطنين العرب، إضافة إلى اصطفاف عدد من أعضاء الكنيست ضد هذا المخطط لأسباب ودوافع مختلفة، بالإضافة إلى نتائج استفتاء قامت به إحدى المؤسسات البحثية الإسرائيلية، والتي أشارت إلى أن 47 بالمئة من اليهود الإسرائيليين يعتقدون أن هذه الأراضي التي سيتم الاستيلاء عليها من سكانها وأصحابها الأصليين، تعود إلى ملكية بدو النقب، كل ذلك أدى إلى إلغاء هذا المخطط رغم أن الكنيست صادقت على القانون المشار إليه في 24 حزيران 2013.
حدث ذلك، قبل حوالي عام، وهذه الأيام، يعود هذا المخطط، وبشكل غير مباشر إلى النور، وتبين بشكل أوضح، ان إلغاء مخطط برافر كان تكتيكياً وإجرائياً، غير أنه اتخذ أشكالاً أخرى لتنفيذه بشكل غير مباشر، وذلك عندما أنشأت السلطات الإسرائيلية ما يسمى بـ «سلطة تسوية الاستيطان البدوي في النقب» بهدف إسكان السكان البدو في منطقة النقب، وكما هو واضح من اسم هذه المؤسسة، فإن السلطات الإسرائيلية تعتبر بدو النقب مجرد مستوطنين لأراضي الدولة، وليسوا ملاكاً لها، وان التسوية لإسكان البدو، أو إعادة إسكانهم، ينطلق من اعتبارهم مجرد مستوطنين يحتلون أراضي الدولة!!
المؤسسة الجديدة هذه، وضعت خططاً بدأ تنفيذها مثلاً قبل أسبوع، محور هذه الخطط اقتلاع المواطنين الفلسطينيين البدو من مناطق سكناهم وأراضيهم في القرى «غير المعترف بها» مقابل التخطيط لبناء مدن يهودية على الأراضي المصادرة في اطار مناقصة تأخذ بالاعتبار ما قالت هذه المؤسسة أنه استجابة لاحتياجات السكان البدو وللمتغيرات التي يمر بها المجتمع البدوي، والحفاظ على الأماكن المفتوحة وقيم الطبيعة «يقصد هنا في الغالب الأراضي الصالحة للرعي حيث يعمل غالبية المواطنين البدو»، وتوسيع البلدات القائمة، وإذا تطلبت الحاجة، إقامة بلدات جديدة بأشكال استيطان مختلفة، كل ذلك في اطار مخططات سابقة ذات صلة بهذا المشروع «واضح هنا أن المقصود بشكل مباشر مخطط برافر الاقتلاعي».
مساء أمس الثلاثاء، كانت هبة الجماهير العربية في إسرائيل مؤشراً على أن مضي الدولة العبرية في عمليات الاقتلاع لمواطني النقب ومصادرة أراضيهم، لن تمر إلا على دم الفلسطينيين، تداعت كافة المدن والقرى والمدن المختلطة على الساحل وشمال فلسطين، إلى التحرك للتنديد بجرائم الاحتلال التي أدت خلال يومين فقط إلى سقوط الشهيدين سامي الجعار وسامي الزيادنة إضافة على عدد من الجرحى أثناء تشييع الشهيد الأول.
لجنة المتابعة العربية العليا، ولجنة التوجيه العليا لعرب النقب واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية دعت إلى إضراب شامل باستثناء المدارس، وبحيث تكون الحصة الأولى حول، المخطط الإسرائيلي، القديم الجديد الهادف إلى اقتلاع عرب النقب ومصادرة اراضيهم وممتلكاتهم.
ولكن، وبينما العملية الاستيطانية الشاملة وواسعة النطاق، التي قامت عليها كل الحكومات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بما فيها العاصمة الفلسطينية، القدس ، قد باتت قضية شغلت وتشغل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وباتت جزءاً من أحاديث التسويات والتوافقات، إلاّ أن ما يجري في النقب من عملية اقتلاع ممنهجة في إطار مخطط إجرامي واضح، ظل أسير التحركات المحلية المحدودة، قد يعود الأمر إلى أن الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، تأتي في إطار عملية استيطانية في «مناطق محتلة» وفقاً للمعايير والقرارات الدولية، الأمر الذي يجعل من هذه المسألة تتخذ أبعاداً تتجاوز الحدود إلى الرأي العام الرسمي والشعبي خارج المنطقة، بينما النقب، ظل مصنفاً كجزء من الدولة العبرية. غير أن مسألة الحدود، لا يجب أن تلغي الحق في الحياة والسكن والامتلاك، ناهيك عن حرية الرأي والتعبير، هذه المفاهيم لا تخضع لأية حدود، بل انها تلزم السلطات بتوفير كل هذه الحقوق.
إن إحدى أهم المهام أمام الأحزاب والقوى ولجان المتابعة العربية في إسرائيل، إضافة إلى التحركات الجماهيرية، هو إيجاد آلية بمقتضاها يمكن لهم التوجه إلى المنابر الدولية، مستفيدة من حالة الحصار على مستوى الرأي العام العالمي، بعد أن تم فضح الدولة العبرية على كافة المستويات، لإيصال صوت عرب النقب الذين يعانون، كما إخوتهم العرب في كل أنحاء إسرائيل من مخططات عنصرية تستهدف اقتلاعهم من أرضهم، في سبيل الاعتراف بكافة القرى العربية في النقب، وتوفير كافة الخدمات الإنسانية لهؤلاء المواطنين الذين مازالوا يعانون من عدم الاعتراف بقراهم ومناطق سكنهم وبملاحقة رجال الشرطة والأمن لهم.
آن الأوان، لكي يوضع «النقب» على الخارطة السياسية من حيث التحرك الرسمي والشعبي، وتوفير كل ما يلزم لاعتبار هذه القضية، جريمة ضد الإنسانية ترتكبها إسرائيل علناً، وفي إطار قوانين عنصرية ليست خافية بل معلنة للجميع، مستثمرة صمتاً معلناً خارج فلسطين المحتلة من قبل الجميع.
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية