مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة التي ستجري في السابع عشر من شهر آذار القادم تبدو الصورة قاتمة بالنسبة لمستقبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، الذي تظهر استطلاعات الرأي المتعاقبة أن حزبه لن يكون الأول من حيث عدد المقاعد البرلمانية بالمقارنة مع ائتلاف حزبي «العمل» و»الحركة» برئاسة اسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني الذي يتقدم على « الليكود» في جميع الاستطلاعات التي أجريت منذ نهاية العام الماضي، وهذا يعني أن فرص نتنياهو لترؤس الحكومة القادمة ضئيلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى نهاية سيرته السياسية وخروجه من الحلبة بصورة نهائية، وهو ما لا يريده بعد أن تربع على عرش الحكومة لفترة طويلة هي الأطول من كل ولايات رؤساء الحكومة الذين سبقوه في تاريخ اسرائيل.
حصيلة استطلاعات عديدة أجرتها قنوات التلفزة ومراكز البحوث والاستطلاع في إسرائيل تشير إلى أن ائتلاف (العمل) و(الحركة) سيحصل على 24-26 مقعداً في الكنيست القادمة، ويشار هنا إلى ان انضمام رئيس جهاز الموساد الأسبق عاموس يادلين للائتلاف المذكور قد يزيد من شعبيته قليلاً، وحزب «الليكود» 22-24 مقعداً، و( البيت اليهودي) 16-18 مقعداً، وكل من (هناك مستقبل) برئاسة يائير لابيد و(كولانو) برئاسة موشي كحلون 8-11 مقعداً، و(إسرائيل بيتنا) برئاسة أفيغدور ليبرمان 5-8 مقاعد، والحركتين الاصوليتين ( يهودوت هاتوراه) 6-8 مقاعد، و(شاس) 5-7 مقاعد بينما الحزب الجديد الذي شكله زعيم «شاس» السابق ايلي يشاي لن يتجاوز نسبة الحسم في معظم الاستطلاعات. كما أن حركة «ميرتس» ستحصل على 5-6 مقاعد، والأحزاب العربية إذا دخلت في قائمة موحدة ستحصد 11-12 مقعداً يمكن أن ترتفع إلى 14 مقعداً لو زادت نسبة تصويت الفلسطينيين في الداخل وهذا الاحتمال قائم في حال التوحد لأنه يمثل رغبة الجماهير.
ومن هذه الخارطة يمكن الاستنتاج أنه إذا جاءت النتائج مشابهة لما هو قائم في الاستطلاعات اليوم فإن (العمل-الحركة) سيشكلان الحكومة بالنظر إلى أن جميع الأحزاب والحركات القائمة باستثناء (البيت اليهودي) يمكن أن تنضم لحكومة برئاسة ائتلاف هرتسوغ- ليفني. حتى ليبرمان لن تكون لديه مشكلة في ذلك، وهذا ينطبق على كحلون الذي يركز برنامجه الانتخابي على القضايا الاقتصادية – الاجتماعية التي هي بطبيعة الحال أقرب إلى موقف حزب ( العمل) ويسار الوسط. أما يائير لابيد فهو لن يكون مع نتنياهو في أي حكومة قادمة بعد أن أقاله الأخير هو وتسيبي ليفني من الحكومة. والأحزاب الدينية ليست لديها مشكلة في الانضمام إلى أي حكومة. وحركة «ميرتس» توافق على الاشتراك في حكومة (العمل- الحركة). والأحزاب العربية تستطيع لعب دور الكتلة المانعة التي تحافظ على بقاء الحكومة بشرط أن تكون وجهتها عملية السلام، إذا لم تغير موقفها وتقرر المشاركة في الحكومة القادمة، وفي هذه التركيبة الواسعة إذا ما تمت سيتوجب على هرتسوغ وليفني أن يحلا مشكلة لابيد مع الاحزاب الدينية.
ولخروج نتنياهو من مأزق الفشل واحتمال مغادرة الحلبة السياسية، وهذه المرة قد تكون بلا رجعة، عليه أن يبذل المستحيل لإعادة حزبه إلى الصدارة حتى يكلفه الرئيس بتشكيل الحكومة وعندها تكون احتمالاته أكبر مع أنه قد لا ينجح بالضرورة، ولكن خسارته مؤكدة إذا بقي ائتلاف (العمل- الحركة) في الصدارة. ويبدو أن البوابة الأمثل لمحاولة تحقيق التقدم هي التصعيد العسكري والادعاء بأنه الأكثر حفاظاً على أمن إسرائيل في وجه التهديدات التي تحيط بها. وليس صدفة أن تقوم إسرائيل بغارة على منطقة الجولان السوري وقصف مجموعة من «حزب الله» وقتل عدد من قادة ومقاتلي الحزب الذين كان ابن عماد مغنية القائد العسكري الذي اغتالته اسرائيل أحدهم. وباعتقاد نتنياهو أن «حزب الله» الآن منشغل تماماً في الجبهة السورية وكل تركيزه منصب على معركة الحفاظ على النظام السوري ومنع انتصار المعارضة المسلحة، وبالتالي لا يستطيع فتح جبهة واسعة مع إسرائيل يشتت فيها قواه ويغامر بخسارة كبيرة في سورية.
ويبدو أن نتنياهو، الذي يقامر بما تبقى له لعله ينقذ نفسه من خسارة باتت قريبة، يبحث عن نصر عسكري أي نصر مهما كان صغيراً ومشكوكاً به ليعيد إلى ذهن الجمهور الإسرائيلي بأنه القائد الذي لا بديل ولا غنى عنه وأنه يستحق البقاء في الحكم ولاية إضافية بمنح حزبه الأفضلية والصدارة في الانتخابات القادمة. ولكن هذا على ما يبدو لا ينجح حتى الآن بسبب تنبه الأحزاب الأخرى التي بدأت فعلياً باتهامه بافتعال حرب لأسباب انتخابية، فالتبرير الذي تسوقه الأوساط المقربة منه والتي تدعي أن «حزب الله» كان يحضر لاعتداءات على إسرائيل انطلاقاً من الجولان ليس مقنعاً. كما أن لعبة نتنياهو هذه محفوفة بالمخاطر إذا ما قرر «حزب الله» الرد بصورة لا يتوقعها نتنياهو.
على كل الأحوال يظهر نتنياهو البائس اليائس مزيداً من التطرف والعصبية في التعامل مع كل قضايا الصراع سواء مع الفلسطينيين أو مع «حزب الله» أو حتى مع المجتمع الدولي بما في ذلك مع الدول التي تؤيد مطالب الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة وفي الانضمام للمنظمات الدولية ومنها محكمة الجنايات الدولية، ومن المتوقع أن تزداد عدوانية إسرائيل خلال الفترة القادمة حتى الانتخابات، وقد تسعى لاستدراج ردود فعل تبرر حربا جديدة على جبهة لبنان أو جبهة غزة ، ولكن قد تكون هذه هي القاضية بالنسبة له بحيث ينضم لسجل أفشل رؤساء حكومة إسرائيليين على الإطلاق.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية