يجب أن يكون الحديث على قاعدة أن الإنقسام ليس بين فتح و حماس فقط , إنما بين جميع الأحزاب السياسية الفلسطينية من داخل منظمة التحرير وخارجها , فالإنقسام تخطى صراع فتح وحماس على إدارة مؤسسات الدولة , وتطور ليكون صراع بين جميع الأحزاب على إدارة الصراع مع إسرائيل , فالأحزاب الفلسطينية أصبحت تنقسم الى معسكرين رئيسيين , أحزاب خارج المنظمة وأحزاب داخل المنظمة , وهذا بغض النظر عن التركيبة الفكرية والعقدية لكل حزب , فكلا الأحزاب تعترض على أداء المنظمة مع الإختلاف في طريقة الإعتراض , ومع حالة تذبذب واضحة قد تصل الى مرحلة التناقض , وهذا بالطبع نتيجة أن أحزابنا السياسية مرتبطة بأجندة دولية تتحكم في قراراتها , فالأجندة تتمثل في تنفيذ أهداف أي قوى خارجية مقابل دعم مالي لهذه الأحزاب , وبالتأكيد هذا الدعم المالي والذي يوفر الرواتب والمأكل والمشرب والملبس يعتبر هو السبوبة التي تقف حاجزاً أمام القرار الموحد .
حتى إسرائيل باتت تستخدم السبوبة في محاولة إنقسام الشعب الفلسطيني أيضا , وهذا ما وثقته وزيرة القضاء الإسرائيلي "أييلت شكيد" في تصريحها الأخير حول ترغيب الفلسطينيين في مناطق "c" الى الحصول على صفة المواطنة الإسرائيلية والتصويت في الكنيست , بشرط أن يعيشون بسلام مع اليهود ولا يطالبون بإجلائهم عن أرضهم المحتلة والتي من المفترض أن تكون تحت سيطرة السلطة بحسب المرحلة النهائية من إتفاق أوسلو .
ليس غريبة المخططات اليهودية فهم أعدائنا , إنما الغريبة هي السبوبة والتي تأتي من الدول لتجعل من أحزابنا أداة لها , فأحياناً يخرج الجهاد الإسلامي عن الإجماع الوطني والغرفة المشتركة ويضرب إسرائيل حفاظاً منه على دعم إيران وحزب الله المشترط بتكرار ضرب إسرائيل , وهذا ليس جرماً ولا عيباً أن يضربوا إسرائيل , ولكنه يعتبر إنقساماً عن الفصائل , وحالة الجهاد الإسلامي تسهل علينا فهم حالة حماس الآن ومدى إرتباطها بالخارج , فالأزمة المالية التي تعاني منها حماس وأدت الى تسكير فضائية القدس وهي ركيزة إعلامية قوية لها , كشفت لنا أن دعم إيران وحزب الله وتركيا شبه متوقف نتيجة أن حماس خرجت عن أجندتهم وتحولت الى نسخة من السلطة والأنظمة العربية , وحتى إصرار حركة فتح على تطبيق رؤيتها في الصراع مع الإحتلال يشير الى أنها تريد الحفاظ على إستمرار الدعم المالي لها والحفاظ على بقائها كمؤسسات دولة , وخاصة أن الخطر تعدى الدعم الخارجي وأصبح يهدد أموال الضرائب الفلسطينية والتي تسيطر عليها إسرائيل , أما الأحزاب اليسارية والتي تفتقد الدعم الخارجي وتعتمد على صندوق منظمة التحرير , فإن إنقسامها حذر جداً فهو يتراوح بين الرفض والقبول , وذلك على أرضية عدم الرضا عن أداء منظمة التحرير ومع التمسك بشرعيتها , فهي لا تحاول أن تجد بديلاً عن المنظمة مثلما تفعل حركة حماس إذ أتاحة لها الفرصة , وهناك أيضا أحزاباً صغيرة مثل , حزب النور , الصابرين , المجاهدين , التحرير , الأحرار , الألوية , جيش الإسلام , المقاومة الشعبية ... فهذه الأحزاب الحديثة مولودة منقسمة بطبيعتها , فمنها منقسم عن أداء منظمة التحرير ومنها منقسم عن أداء حماس أيضاً , وهذه الاحزاب لها سبوبة أيضاً ولكن أجندتها لا زالت مجهولة الهوية بسبب أنها لا زالت غير مؤثرة على القرار الفلسطيني .
برأيي أن هناك فرصة قوية لدى أكبر حزبين على الساحة الفلسطينية , فتح وحماس , للتخلص من سبوبة الإنقسام , وقد عبر كلاهما عن ذلك , ففتح أعلنت أنها تمتلك خطط وبدائل عن الدعم الأمريكي للسلطة وأيضا عن حجز إسرائيل للضرائب , وهذا يشير الى أن السلطة قد تعتمد على الإكتفاء الذاتي في حال توقف الدعم وحجز الضرائب , وكذلك حماس في أزمتها المالية قررت إعتماد سياسة التقشف , بالإضافة الى المضي قدماً في التطبيع مع النظام المصري وباقي الأنظمة العربية , وعبر عن ذلك إسماعيل هنية في مقر صحيفة المصري اليوم عندما قال أن لا علاقة بين حماس والإخوان وأي قوى خارجية , ودعا أيضاً الرئيس أبو مازن ليأتي الى بلده غزة , وهذه التصريحات تشير الى أن فتح وحماس إقتربتا من التخلص من سبوبة الإنقسام .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية