لا تكفي الشعب الفلسطيني مصائبه ومشاكله المرتبطة بالاحتلال والقمع ومصادرة الحقوق والتمييز العنصري، بل هناك مصيبة أخرى مرتبطة بالأوضاع الداخلية التي يعيشها. ولم تعد هذه مقتصرة علينا نحن الذين نعيش في المناطق المحتلة ونحن منقسمون على أنفسنا ولم تنجح كل الوساطات والتدخلات في توحيدنا في سلطة واحدة وحكومة واحدة وقيادة واحدة تحت الاحتلال. وانتشر فيروس الانقسام في أوساط الجماهير الفلسطينية في إسرائيل، التي سجلت سابقة في الانتخابات العامة الماضية بالتوحد في قائمة عربية مشتركة استطاعت أن تحصد ثلاثة عشر مقعداً تشكل العدد الأكبر في المقاعد التي حصل عليها الفلسطينيون في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، والتي تعاني اليوم من عدم وضوح رؤية في كل ما يتعلق بالقوائم العربية التي ستشارك في الانتخابات، خاصة بعد خروج الحركة العربية للتغيير بزعامة أحمد الطيبي من القائمة وإعلانه النية للذهاب للانتخابات في قائمة خاصة يترأسها شخصياً.


استطلاعات الرأي التي أجريت في إسرائيل في الفترة الأخيرة تظهر نوعاً من التأرجح في عبور قائمة الطيبي نسبة الحسم التي رفعها اليمين الإسرائيلي قبل الانتخابات الماضية من 2% إلى 3.25% وتقدر هذه المرة بما يزيد على 140 ألف صوت، والتي كانت سبباً رئيساً في تشكيل القائمة المشتركة. ولا يتعلق الأمر فقط بحركة الطيبي التي حصلت في عدة استطلاعات على 3 مقاعد أي لم تتجاوز نسبة الحسم التي لا تقل عن أربعة مقاعد لكل قائمة، بل أن هناك أربع قوائم جديدة قد تخوض الانتخابات منها: قائمة «البيت العربي» و»لأجلنا»، و»أفق عربي جديد» وقائمة أخرى لم يحدد أسمها بدقة بعد انفصال رئيسها عن قائمة الأفق الجديد التابعة لأحد قادة الحركة الإسلامية الجنوبية. والواقع إذا لم تتحد كل القائم العربية ودخلت الانتخابات مشتتة كل قائمة لوحدها فهناك خطر حقيقي ألا تتجاوز جميعها نسبة الحسم. والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة هي الحركة الأقوى وهي أيضاً تتأرجح وقد تجتاز نسبة الحسم بصعوبة. 


والخارطة السياسية والحزبية الإسرائيلية على الرغم من تفوق اليمين نسبيا قد تشهد تحولات كبيرة وخسران اليمين للسلطة في ظل انقسام اليمين حيث شهد المعسكر اليميني انقسامات ونشوء أحزاب جديدة. فعلى سبيل المثال انقسم حزب «البيت اليهودي» إلى قسمين وخرج منه كل من الرئيس السابق نفتالي بينيت ووزيرة العدل أييلت شاكيد وشكلا «اليمين الجديد»، وشكل عضو الكنيست من «البيت اليهودي» بتسلئيل سموطريتش حزباً جديداً سماه «الاتحاد الوطني»، وهناك حزب جديد تشكل باسم «قوة لإسرائيل»، بالإضافة إلى حزب «غيشر» الذي شكلته ابنة القيادي السابق في «الليكود» دافيد ليفي، أورلي - ليفي أبوكسيس، كما أن عدينا بار شالوم ابنة الحاخام السابق لحركة «شاس» عوفاديا يوسف، هي الأخرى شكلت حركة وتحاول الانضمام إلى حركة «هناك مستقبل». ويمكن لهذه الحركات والأحزاب بالإضافة إلى القائمة أن تشتت أصوات اليمين ولا تمكنه من الحصول على أكثر من نصف مقاعد البرلمان. وهنا تكمن أهمية القائمة العربية ككتلة مانعة تساهم في خروج اليمين من السلطة وتشكيل ائتلاف جديد قد يؤدي إلى تغيير الواقع والذهاب نحو عملية سياسية جدية تفضي إلى تسوية دائمة للصراع، خصوصاً وأن مثل هذه الكتلة قد تفرض شروطها على الائتلاف الحكومي الجديد في حال حصل التغيير.


في آخر استطلاع أجرته القناة 13 التلفزيونية ونشرت نتائجه في 6/2/2019، حصل «الليكود» على 32 مقعداً، مقابل24 لـ»حصانة لإسرائيل» بزعامة بيني غانتس ، 10 لحزب «هناك مستقبل» و9 لليمين الجديد و7 للقائمة المشتركة و6 لحزب الطيبي و5 لكل من «العمل» و»شاس» و»يهدوت هاتوراة» و»البيت اليهودي»، و4 مقاعد لكل من «ميرتس» و»كولانو» و»إسرائيل  بيتنا». وباقي القوائم لم تتجاوز نسبة الحسم. وأظهر الاستطلاع كذلك أنه إذا توحدت قائمة «حصانة لإسرائيل» مع «هناك مستقبل» برئاسة يائير لابيد ستحصلان على 36 مقعداً. وحتى الآن لا يظهر تغير كبير في نسبة القوى بين المعسكرين. ولكن إذا أخذنا بالاعتبار أن 25% فقط من الذين يصنفون أنفسهم كـ»وسط» يعرفون لمن يصوتون، وأن هناك نسبة 35% من الجمهور لم يقرروا لمن تذهب أصواتهم حسب استطلاع رأي نشر مؤخراً. بمعنى أن الأصوات العائمة نسبتها كبيرة ويمكنها تغيير النتائج بصورة دراماتيكية وكبيرة. 


وفي كل الأحوال إذا بقي واقع جماهيرنا وأحزابنا كما هو فالخسارة ستكون من نصيب التمثيل الفلسطيني، فبرغم وجود قائمة عربية تضم 13 عضو كنيست لم ترتدع الحكومة الإسرائيلية عن تشريع قانون القومية وكان هناك أخطاء معينة اقترفتها القائمة، فما بالنا عندما يتحجم التمثيل الفلسطيني ويصل إلى النصف أو على الأقل يفقد مقعدين أو ثلاثة بسبب تشتيت وضياع الأصوات بدلاً من زيادتها وتشجيع المواطنين على التصويت بكثافة وتجاوز نسبة التصويت في المرة الماضية ولقائمة عربية موحدة يمكنها أن تكون بيضة القبان في الفصل بين المعسكرين الصهيونيين اليمين واليسار. فما يحدث لدينا في الضفة و غزة لا ينبغي أن يكون أنموذجاً بل هو معيب يجب ألا يتكرر بأي حال في أي موقع آخر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد